الفنان البندوري ينقلنا إلى عالم الخط المغربي الصحراوي من خلال كتابة عبارة "تعلم قوام الخط يا ذا التأدب" في مرسمه
مراكش- يقف الفنان المغربي محمد البندوري بمرسمه فرحا بعد إتمام لوحة فنية بالخط المغربي الصحراوي سماها "لحن الرمال"، هي قطعة من فسيفساء لوحات فنية تزين معرضا داخل قصر الباهية بمدينة مراكش، هو الأول من نوعه في مجال الخط العربي.
هو الحبور نفسه الذي شعر به وهو يلتقط إشارة من العلامة المغربي المختار السوسي -رحمه الله- عن وجود الخط الصحراوي خلال حديثه عن المكتبات جنوب المغرب، وما احتوت من نفائس، وهي عبارة عن هدايا سلاطين المملكة لأعيان الصحراء.
أعاد قراءة المقطع مرات عديدة، عرف بعدها أنه عثر على كنز ثمين، خصص له بابا في بحثه الأكاديمي لنيل درجة الدكتوراه، ثم أتبعه بكتاب أكثر تفصيلا يظهر مقاصد هذا الخط الجمالية والوحدوية.
ويقول الأكاديمي والفنان المغربي للجزيرة نت، وهو يسترجع تلك اللحظات المهيبة، "خفق قلبي لهذا الالتقاط، واهتزت مشاعري لأنجذب إلى دراسة عدد من المخطوطات الصحراوية لاستجلاء هذا الخط، وعند وقوفي عند جمالياته في النصوص النثرية والشعرية الصحراوية، وفي الوثائق والمراسلات غمرتني فرحة الاكتشاف الجديد".
قلم وقطة
يحرص الفنان البندوري أن ينقلك إلى عالم الخط المغربي الصحراوي من خلال كتابة عبارة "تعلم قوام الخط يا ذا التأدب"، في مرسمه الذي تزينه لوحات فنية وشهادات تقدير وتكريم من هيئات وطنية ودولية.
ويضع أمامه أنواعا من المداد يختار أجودها، يبري قلمه بعناية فائقة قبل أن يشرح لك أن "قطة القلم" تختلف عن باقي القطات العربية، فهي محرفة نحو التدوير ومنزاحة نحو التقويس من الجهتين إلى حد جعل الخط المغربي الصحراوي يأخذ موقعه بين الخط المغربي المبسوط والخط المغربي المجوهر، مما يشكل انزياحا جماليا لابتداع أشكال جديدة في المشهد الثقافي والفني المغربي.
وفي لوحة "لحن الرمال" تلك، تتداخل خطوط الشكل الصحراوي الدقيق والشكل الصحراوي المجلل، لإبراز التطور الذي يحصل في هذا الخط.
لوحة "لحن الرمال"
ويضيف "باستعمال الخط رمزيا أو تعبيريا أو تشكيليا عبر اللون وحركة الحروف ومفارقة الشكل، يضحى التفنن بالعمل من داخله يوصل إلى لمحات فنية تغني رؤيته البصرية، بفضل الخصائص الجمالية لهذا الخط المبنية على التقويس والدوران والتشابك".
مراسلات
بحس الباحث الأكاديمي، يقلب الفنان محمد البندوري وثائق ومخطوطات تاريخية -عبارة عن ظهائر سلطانية كتبها الملوك المغاربة إلى أعيان الصحراء الذين ردوا أيضا بمراسلات ووثائق البيعة- ليكتشف أنها كتبت بالخط المغربي الصحراوي بجماليات مختلفة، تحمل مضامين ثقافية وسياسية واجتماعية وفنية وأدبية.
صفحة بالخط المغربي الصحراوي، من كتاب دلائل الخيرات، من وثائق معهد الدراسات الأفريقية، جامعة محمد الخامس (الجزيرة)
يقود البحث الأكاديمي إلى استجلاء هذا الخط أيضا في النصوص الشعرية والنثرية، وفي المخطوطات والأنسجة، وعلى الرق والحرير وفي المعمار، اعتمادا على كل أشكاله المتداخلة مع باقي الخطوط المغربية، وفي كل القنوات التواصلية.
ويبرز البندوري أن هذا التداخل الجمالي والفني والتطابق الحروفي يدلان على الوحدة الحروفية والثقافية المغربيتين، كما أن الأشكال الخطية المغربية الصحراوية شدت المجال البصري بتمتعها بالصفات الجمالية والصيغ الفنية، فاخترقت كل المجالات، وأثرت في بلاغة المكتوب، وصنعت دلالات جديدة شهدت على الوحدة المغربية.
رسالة من الشيخ ماء العينين بتاريخ 21 يونيو/حزيران 1907، وجهها إلى الوزير محمد المفضل غريط الصدر الأعظم في عهد السلطان مولاي عبد العزيز بن الحسن الأول، بخصوص “ثغر” طرفاية (الجزيرة)
ويضيف أن السمات الخاصة لهذا الخط تشكل قيمة إضافية في رسم الجمال الذي يغذي الحرف، ويغذي الشكل على المستوى الفني، كما أن الحروف الصحراوية تملك ما يكفي من الليونة والإيحاء أثناء عمليات التركيب لتنتج المعنى.
شغف
لكل مهتم بالخط العربي أن يتخيل كم من الوقت استغرق الفنان محمد البندوري في مكتبته وهو يرص المخطوطات جنبا إلى جنب لتدقيقها، صابا كل اهتمامه على الخط المغربي الصحراوي، الذي كان يشعر بجاذبية خاصة له بما يحمل في طياته من تاريخ عريق.
بعد وقت غير يسير من البحث والدراسة، أصدر البندوري كتاب "الخط المغربي الصحراوي المقصديات الجمالية الوحدوية" وأصبح مرجعا للباحثين، عني فيه بالصيغ الجمالية والأسس الفنية التي حملها المخطوط المغربي.
احتفاء بكتاب الأكاديمي المغربي الفنان محمد البندوري حول الخط المغربي الصحراوي
لم يكتفِ البندوري بنشر كتابه، بل أراد أن يشارك شغفه مع الآخرين. فقرر تنظيم ورشة عمل خاصة بالخط المغربي الصحراوي، جمع البندوري مجموعة من الخطاطين الموهوبين، وشجعهم على استكشاف إمكانيات هذا الخط.
جمهور وباحثون ومهتمون بالخط العربي في معرض الأكاديمي المغربي الفنان محمد البندوري
وبعد نجاح الورشة، شعر البندوري أن الوقت قد حان لعرض نتائج هذا الجهد الكبير، فقرر تنظيم معرض فني تحت شعار "الخط المغربي من المخطوط إلى اللوحة الفنية"، حظي باهتمام الحروفيين والخطاطين من المغرب وخارجه، وانتقل به إلى الشكل الحروفي ودمجه في المجال الفني بصيغ جمالية وبمقصديات تواصلية.
بعد جمالي
لم يخف الفنان البندوري أنه أعاد اكتشاف جمالية الخط المغربي الصحراوي، وهو يتجول إلى جانب جمهوره من فنانين ونقاد وعشاق الخط العربي في معرض اللوحات الفنية.
جمهور وباحثون ومهتمون بالخط العربي في معرض الأكاديمي المغربي الفنان محمد البندوري
ويقول الفنان الفوتوغرافي الإسباني باو إسكوليس للجزيرة نت إنه تأثر بزيارة هذا المعرض، الذي وجده عملا ذا جودة عالية يجسد براعة كبيرة في فن الخط العربي، يمكن لأي شخص أن يقدره بسرعة.
ويضيف "تسحرك اللوحات بالتفاصيل الصغيرة ودقتها، ويضفي التباين بين الخط الحروفي التقليدي الصحراوي وحداثة الألوان والأشكال على هذه الأعمال جاذبية خاصة، لتجعلها أعمالا أنيقة وعميقة وخالدة".
الأكاديمي المغربي الفنان محمد البندوري في تصريح لوسائل الإعلام عن معرض لوحاته الفنية
في حين يؤكد الأكاديمي المغربي أن طرائق وضع الحروف الصحراوية مفردة أو مجردة، توصل إلى عمل تجريدي يؤدي إلى المعنى، كما يثبت فنيته المتصلة باللغة العربية والدين الإسلامي، والأدب والفن، فيصبح بهذه الارتباطات جزءا في قلب العمليات الإبداعية المغربية بأساليب متنوعة في الأداء بفعل الوعي الذي اكتسبه الأدباء والشعراء والفنانون من جهة، وبفعل الترابط بين مختلف الأماكن المغربية باعتباره وسيلة تواصل وتفاهم وتخاطب، وفنا يتوفر على كل سمات الإبداع والجمال.
وتتمظهر حروف هذا الخط في أشكال هندسية بديعة ومقاييس دقيقة يغلب عليها الطابع الجمالي المغربي، وتخضع هندستها إلى تراكيب متناسقة ومتوازنة، تتميز بالمرونة والمطاوعة لتفسح المجال للخيالات المبدعة والأذواق الجميلة، كما له شاعرية خاصة تغذي الغنى الفني بعناصره المختلفة من زينة، وتشكيل، وزخرفة تتمم عملية التناسق، وتضبط المعنى الجمالي بجمال آخر.
اللوحة العذراء: انتقال بالخط المغربي الصحراوي من شكله في المخطوط إلى شكل حروفي عبر الشكل واللون في مفارقة فنية من جهة ومقاربة جمالية من جهة أخرى. اعتمادا على الخصائص التي تميز كل حرف، من استرسال وتقويس
العبور: يُظهر هذا العمل السمات الجمالية للخط المغربي الصحراوي أثناء التجليل (التكبير) من خلال شكل الترويس وطابع التدوير الذي تتميز به الحروف الصحراوية، ويبرز كذلك القيمة الرمزية للشكل الحروفي في نطاق فني معاصر
لحن الرمال: يتداخل في هذا العمل الشكل الصحراوي الدقيق والشكل الصحراوي المجلل، لإبراز التطور الذي يحصل في هذا الخط، سواء باستخدامه العادي كما في المخطوط، أو باستعماله الرمزي أو التعبيري أو التشكيلي عبر اللون وحركة الحروف ومفارقة الشكل، فأضحى التفنن بالعمل من داخله يوصل إلى لمحات فنية تغني رؤيته البصرية، بفضل الخصائص الجمالية لهذا الخط المبنية على التقويس والدوران والتشابك
فيروز: يرتقي هذا العمل بالخط المغربي الصحراوي إلى درجة حروفية متقدمة من حيث التركيب والتداخل اعتمادا على السمات الجمالية التي تميز حروفه من إمالات وتقويسات واسترسالات وتدوير، التي تساعد على توليد الأشكال المتنوعة والدخول إلى المجال التشكيلي عبر الشكل الحروفي، وتقديم دلالة رمزية ومعانٍ فنية
أمل: شكلت السمات الخاصة للخط المغربي الصحراوي قيمة إضافية في رسم الجمال الذي يغذي الحرف ويغذي الشكل على مستوى المخطوط وعلى المستوى الفني، إذ يبرز هذا العمل التطابق في تسلل الضوء في المخطوط الصحراوي وتدرج لون الخامة ولون الحبر وتناوب شكل رسم الحرف بين الإمالة والتقويس والإبداع في الشكل الهندسي للنص، مما يؤدي إلى صنع إيقاع من خلال الطاقة التي تمتلكها الحروف الصحراوية جراء ليونتها وإيحاءاها أثناء عمليات التركيب لتنتج المعنى
ذهبيات: تتبدى في هذا العمل الخصوصيات الفنية للتركيب التي يتميز بها الخط الصحراوي أثناء عملية التجليل، وذلك لمطاوعته للأشكال المختلفة ليضحى أكثر دقة في التعبير فينتج المعاني الدقيقة، فعملية الانتقال من المخطوط إلى العمل الفني تُبين المرونة والليونة والتداخل الكثيف للحروف بتقويساتها التي تبعث الجمال المتفرد. وهو أسلوب خطي متنوع المسالك الفنية، إذ كل رسم حرف يُسهل عملية الداخل الكثيف والتركيب وفق أشكال فنية بدلالات متنوعة
تراتيل: يتجاوز هذا العمل بالحروف الصحراوية حدود الكلمات إلى إنتاج معانٍ فنية جديدة، فرسم الحروف الصحراوية في حالة تركيبها تفيد من خلال مظهرها الحروفي المرتبة المتقدمة في رسم الشكل اعتمادا على الترابط المنظم والتداخل الكبير بين الحروف والألوان في نطاق تجريدي يؤدي معنى فنيا وجماليا معاصرا
استواء: يبرز هذا العمل شكل الحرف الصحراوي المختلف والمتنوع، وطريقة تركيبه في اللوحة الحروفية، ليعبر عن أداء المعنى بجماليات تختلف حسب النوع وحسب الكيفية، ويُعبر أيضا عن استمراريته واستوائه في الفضاء، وبذلك يأخذ موقعه بوسيلة تواصلية وبإنتاج فني مليء بالدلالات، فهو من خلال تقويساته وتدويراته وإيمالاته يثبت فنيته في العمل التشكيلي، ويثبت غناه في الرواء والإشباع
تحويق: يتميز الخط الصحراوي في هذا العمل بوظيفته الجمالية، وبطبيعته الصحراوية المغربية، وبارتباطه بخاصيات الشكل الفني، نظرا لسماته التقويسية وأشكال رسمه المطاوعة للون والتشكيل، فأصبح بهذه الارتباطات جزءا في قلب العمليات الإبداعية بتنويع في الأداء بفعل سمات الإبداع والجمال التي يوفر عليها
مخطوط إجازة بالخط المغربي الصحراوي: إجازة الشيخ ماء العينين للعالم عبد السالم بن أحمد العلمي المشيشي المغربي الشامي القاطن بمكة، النسخة بخط الشيخ أحمد بن الشمس، موقع الشيخ ماء العينين
مخطوط رسالة سلطانية إلى الشيخ ماء العينين: من كتاب الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، شبيهنا حمداتي ماء العينين