القسوة في الفعل، أو في ردة الفعل، أو في الأسلوب، أو في التعامل، أو في الكتابة، أو في التربية، أو في النظر، أو في التعليم، أو في الإدارة، أو في غيرها منفرات عن الحب والاحترام والتقدير، ومعوّقات للإبداع، ومسبّبات للوهن والخيبة والسلبية؛ مهما كان ظاهر الآخرين معك.
هناك فئة من الناس تميل إلى القسوة والحزم، وترى الأفضلية والتميز لهذا النوع من الناس على نظرائهم؛ وهو قول غير دقيق في أغلب الأحوال.
قسوة الحياة وتحدياتها وعثراتها تفرض أجندة وأساليب خاصة على هؤلاء الناس (القساة) من حيث لا يشعرون، وبمعنى آخر: قسوة الحياة وظروفها الصعبة تجعل قلوبهم قاسية تلقائيًا في أغلب الأحوال، ورد في التراث: صف لي بيئة قوم أصف لك أخلاقهم وعاداتهم.
من المفارقات الغريبة في هذا الشأن؛ هو أن أكثر هذه الشريحة لا تؤمن بقسوتها ولا تراها أصلًا، وترى أن هذه الدعوى تربص بها ممن لا يحبها؛ حتى لو بلغها التوجيه من الثقات عندها، أو من المقربين لديها.
نحن نرى أن الحب، والأدب الراقي، والليونة ما دخلت شيئًا إلا زانته، وما خرجت من شيء إلا شانته؛ وإن كان الحزم مطلوبًا في بعض الأحيان، ولكن (لا تكن صلبًا فتُكسَر، ولا ليّنًا فتُعصَر).
الإدارة والتعامل والتربية بالحب أقوى وأسرع وأكمل وأجمل في الوصول للأهداف المنشودة والآمال المعقودة من القسوة والفظاظة؛ مهما كانت التحدّيات.
القسوة والحزم المفرط وفظاظة الأسلوب؛ يكون مع فقراء الأخلاق والأدب والعلم والتربية -فقط وفقط- وهم فئة قليلة -عادة- في كل المجتمعات.
لو تأملنا الخطاب القرآني للرسول الأعظم (محمد صلى الله عليه وآله) لوجدناه يتدفق رحمة وحنانًا ودفئًا ومحبة:
قال تعالى: (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى). وقال تعالى: (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحدِّثْ). وقال تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ). وقال تعالى (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى).
وهذا هو المنهج السماوي الذي أراد الله للناس عامة أن يتبعوه في تعاملاتهم.
إن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله سيد الأخلاق، وسيد الكمال، وسيد الجمال، وسيد الوجود، وسيد الأنبياء والمرسلين، وأفضل البشر من الأولين والآخرين، ولو وضع الناس كلهم من (معصومين وأنبياء ورسل وشهداء وأولياء وعباد مخلَصين وأوتاد صالحين) في كفّة و(رسول الله) في كفّة لرجحت كفّة رسول الله عليهم أجمعين، وبرغم ذلك قال تعالى (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ليعرّف الناس بأهمية اللين والمرونة من خلال هذا الدستور القرآني المحمدي العظيم.