مأذون وقصة
الله لا يوفق عمتها
بعد الصلاة مباشرة نريد حضورك يا شيخ، لأن حفلة النساء وتلبيس الخاتم ستكون بعد عقد النكاح مباشرة، أرجوك لا تتأخر يا شيخ لأن دعوة النساء إلى صالة الأفراح في تمام الثامنة مساء، كان هذا آخر الكلام بيني وبين الشاب الذي سيصبح زوجًا بعد ساعات معدودة.
أنهيت صلاتي ويممت وجهي صوب المكان المتفق عليه لإجراء العقد، فكنت على رأس الساعة السابعة مساء جاهزًا لترتيبات العقد، وبكل سلاسة جرت الأمور على أحسن وجه، وقبل انصرافي أخبرت العريس أنني سأتصل به فور مصادقة المحكمة على العقد «حسب الإجراء المعمول به حينها»، وأن الأمر قد يستغرق يومين كحد أقصى.
ذهبت إلى بعض حاجاتي وعدت إلى منزلي، على أمل أن أذهب يوم غد إلى المحكمة جريًا على العادة في تصديق العقود، وحين وصلت الساعة إلى الحادية عشرة مساء هممت إلى مخدعي للنوم والراحة، لكن اتصاله لم يمهلني حتى أغفو، فقد كان يتحدث وهو ممتعضًا ومتأثرًا، وقراره قد اتخذ بلا عودة أو تراجع.
السلام عليكم، فرددت ، وأنا مستغرب من اتصاله في هذا الوقت، لكن انفعاله كان أسرع من أن يتيح لي وقتًا أكثر للاستغراب والتساؤل، فبادرني بقوله ”الحمد لله الذي كشف هذه الأسرة في بداية الطريق، وبيّن مستوى أخلاقها وتعاملها معي، ومع أهلي وعائلتي، وأنا أطلب منك يا شيخ أن لا توثق العقد، فقد وصلت الأمور بيننا إلى رفع الأصوات والكلمات القاسية، ولم يبق إلا الضرب، وخلاصة الكلام البنت لا تناسبني وأريد الطلاق“.
قلت له: ”حسنًا غدا صباحًا أود أن ألتقي بك لنرى ماذا يمكن أن نصنع؟“ قال لي: ”لا داعي إلى اللقاء، فقط ساعدني في الطلاق“، قلت له: ”دعنا نتحدث أولًا“، أجابني ليس عندي ما أقوله لك، سوى ساعدني في الطلاق، فقلت له: ”لا أستطيع مساعدتك قبل أن نلتقي ونتحدث، وبعدها لن تكون إلا راضيًا بإذن الله“.
جاءني صبيحة اليوم التالي وكان الغضب متمكنًا منه، لكنه كأن أهدأ كثيرًا، وكانت قدرته على الاستماع والتفكير أفضل، وقد لاحظت أن مستوى الغضب ينخفض عنده كلما دار الحديث بيننا، وتوتره يتلاشى كلما أخرج ما في قلبه من جزئيات لم يسعفها الزمن لتستوطن وتستقر في أعماقه، فكل ما يتحدث عنه هو وليد الساعات القليلة الماضية في حفل العقد.
سألته ما القصة بكل أمانة؟
فتمنّع ابتداء، لكنه بعد وقت قصير انطلق يحدثني بأريحية وصدق، بعد أن أنهينا عقد النكاح، ذهبت أمي وأخواتي إلى القاعة التي ستحتفل العروس فيها بالعقد، وحضرت النسوة المدعوات من جهتنا ومن جهة عائلة العروس، كان برنامج الحفل يتضمن فقرة بحضوري كي أقوم بتلبيس زوجتي شبكة العقد، وكانت هي الفقرة الأخيرة، أي بعد أن تنصرف المدعوات وتبقى أسرتي وأسرتها فقط.
ما فاجأني يا شيخ أن أمي اتصلت بي قبل الوقت المحدد، وكانت في حالة متوترة، وصوتها أقرب للبكاء، وهي تقول: تعال سريعًا فأنا وأخواتك نريد العودة إلى المنزل، وأنت الله يبارك لك بعقدك وعروسك.
خرجت من مكاني مذهولًا مرتبكًا، لا أعرف كيف قطعت الطريق، وحين وصلت إليهن رأيتهن متأثرات أشد الأثر، لقد أفشلتهم وأحرجتهم عمة العروس، حين وجهت كلامها لوالدتي بقولها: إذا كانت الصالة مدفوعة المبلغ من قبل والد العروس، فلماذا قدمتم الدعوة لهذا العدد من عائلتكم؟ أم لأن الخسارة على غيركم؟ ثم راحت تعامل معازيمنا بطريقة غير لائقة.
هذا الأمر سبب المزيد من التوتر والإحراج لنا، ومع ذلك كنا نتحمل، حتى بدأت تغلط علينا بالكلام، وترفع من نبرة صوتها أحيانًا، فلم نستطع الصبر، وتحول الحفل إلى شجار ينقصه الضرب، أما أنا يا شيخ فلا أريد الارتباط بعائلة تهين أهلي، وتتجرأ على أمي وأخواتي.
سألته هل عروسك تحدثت بشيء أساء لأهلك؟ أجابني لا، هل أمها وأخواتها جرحوا مشاعر أهلك؟ رد عليّ كلا، أراحتني هاتان الإجابتان، وانطلقت منهما أعالج كل شيء حتى عدل الزوج عن رأيه، وبدأ يعود لهدوئه ويكتشف خطأه، قلت له سامح واعف، فقال الله يسامحهم جميعًا، لكن الله لا يوفق عمتها.
مستوحيات القصة:
1/ تدخلات الأهل السلبية سواء في حفل العقد أو في ليلة الزفاف كانت سببًا كبيرًا في تدمير المحبة والألفة بين الزوجين أو بين العائلتين، وهذه التدخلات لا دافع لها سوى الجهل وبساطة التفكير وعدم إدراك العواقب.
2/ من الضروري في مثل هذه الحالات أن تتدخل العائلة التي صدرت التصرفات السيئة من أحد أفرادها «عائلة العروس» بصورة حكيمة وواضحة، وأن تعنى بثلاثة أمور، الأول هو منع الشخص «عمتهم» من التمادي ومواصلة تصرفه المهين ما أمكن، والثاني إشعار العائلة الأخرى بوضوح أنهم غير راضين عن هذه التصرفات، والثالث الاعتذار بصراحة عن تلك الجهالات، فالأمر يرتبط بمستقبل زوجين جديدين، لا يصح أن تشرخ علاقتهما منذ البداية أو يترك مصيرهما إلى المجهول بسبب المجاملات، والخوف من زعل هذا أو ذاك.
3/ علينا أن لا نظلم العروس ولا عائلتها، فهم ربما يكونون كالعريس وعائلته ضحايا لتصرفات هوجاء وغير محسوبة، وهذا يعني أن لا ينعكس الغضب على كل شي، بينما المخطئ محدد ومعروف.
4/ لا يصح كلما حصلت مشكلة أو قضية جزئية من هنا وهناك، أن نسرع إلى التفكير في الطلاق، وأن نعتبره أول الحلول، فهذا يعرض حياة الزوجين للانهيار والتفكك كلما حصل خلاف بسيط.
5/ ما أسوأ القرارات التي تتخذ حين الغضب والانفعال، كم هي مدمرة؟ وكم هو ثمنها باهظ؟ لأنها تكون في لحظة يُحجب فيها العقل، وتعمل فيها غريزة الانتقام والتشفي.
6/ وأخيرًا ما خاب من استشار، فالمشورة مكسب ومربح، وقد تأتي بخير غير متوقع ولا مرتقب.