أعترف أني أحترق شغفا للكتابة عن هذا الرجل منذ مدة طويلة، لكني أجاهد قلمي وأمنعه, فيال كثرة من أفسدناهم بمدحنا, ويال كثرة من فرعناهم بتصفيقنا, ويال كثرة من أعميناهم بهوساتنا التمليقية ومبالغاتنا الوصفية, وشيئا فشيئا يتسرب ماء العمل وتبقى قناني اللغة الفارغة. تبقى القصائد والأهازيج ولافتات التبجيل, تتكرر لكوننا سريعي الإدمان كلاميا, ننحت الأوصاف, نكررها ثم لا نستطيع الخلاص منها. فيال كثرة الأكاذيب الملونة!
لكني اليوم أمام رجل وحيد يقف معتصما أمام قبة البرلمان مطالبا بحصة محافظته من المال كي يتم مشاريعه العمرانية والخدمية, إنه رجل لا يوزع الهبات على جوقة التصفيق, حيث لعلعة التصفيق والصلوات تُسكر الأذهان عن مخازي ما خلف الستارة من آثام. فالرجل يمشي بلا حماية أمامه ولا ستارة خلفه. فلماذا لا ننصر الرجل ولو بالكلمة, علنا نثير الغيرة ببعض المسؤولين الذين بقي شيء من رمق الحياة في ضمائرهم المدفونة بالثراء السريع والمناصب المفاجئة؟! خصوصا وأن عذابنا بالفساد أشد من عذابنا بمفخخات الإرهاب.
مَن هو علي دواي هذا, أتراه نيزك مُضيء مطرت به غياث السماء؟! هذا الذي سمعته يُغني وهو يحمل الطابوق وهو يحمل المكنسة في الشوارع الممطرة:
(إني بريء كحفيف السُنبلة / كل ما أعرفه إني فردٌ من رعاية الأمة المُعتقَلة / أمة يصلبها البند على آبارها المُشتعِلة).
إنه الرجل النظيف في زمن القذارة, إنه المواطن العامل في مجتمع البطالة, إنه الرجل الحرّ في دولة الأحزاب. حينما تستعرض صوره المنشورة, حينما تنصت للشبان من أهالي مدينة العمارة المحيطين به, تشعر كأنك تنصت لموسيقى البراءة التي غابت عن هذا العالم منذ ظهرت الآلة ومنذ أبدل الناس ثياب التعاون والأخوة بثياب المعاصرة والمفاخرة. أتطلع إليه كأعجوبة: سياسي ببدلة العمال الزرقاء, مبتل في المطر يبحث عن المجاري المسدودة, مُلطخ بالاسمنت وغبار الطابوق في البناء, يحمل قناني المياه للعوائل الفقيرة, إنه تلميذ منسي لعلي بن ابي طالب, كأنه رجل في صفحة قديمة في نهج البلاغة. هو علامة وجود الخير في النفوس, وعلامة فضيحة في الحكومة. يخشى علينا من انقطاع الكهرباء ومن سيول المطر, ونخشى عليه من الشخصيات الدبقة, تلك المخلوقات الطفيلية البشعة التي تمتص الضمير وتبقي المسؤولين أشباحا مرعبة من حب المال والوجاهة ونشر الفساد. علي دواي محافظ العمارة, التي باتت عامرة به, عينة لقوة العمل الصالح على صنع المعجزات. إنه يعمل أكثر مما يتكلم, نتائج عمله تخبرك بصدقه وليس صور فقهاء منشورة خلف ظهره حجمها يضاهي حجم الفقر والبؤس في المجتمع, إنه رجل صوره مع الناس, فالرجل الحرّ لا يستقوي بصور غيره ولا بعناوين دينية وحزبية وعائلية, وغيرها من عملات ساقطة في سوق النقد العملي. أتطلع إليه اليوم مُنكسراً لكون أحزاب الضواري وعقول الريشة, يمنعون الحصة المالية من التوزيع, فهم لا يعملون ولا يتركون الآخرين يعملون (منّاع للخير معتدٍ أثيم). إنهم الملوثون الذين ينزعجون من كل نظافة (عتل بعد ذلك زنيم), هؤلاء الذين يتظاهرون لحماية السارق ولا يتظاهرون لدعم النزيه, أي مجتمع هذا الذي تحتشد فيه الملايين على الباطل ولا يجتمع فيه عشرة للحق, أهي تلكم الصرخة القديمة لذلك المتمني مبادلتنا مبادلة الدينار بالدرهم؟!
كم أتمنى من شرفاء العراق وأصحاب الأموال في الداخل والخارج, أن يُبطلوا هذه الحسرة القديمة للإمام, من خلال مؤازرة هذا الرجل, حيث يمكن إنشاء مؤسسة أهلية يشرف عليها علي دواي من ناحية تنفيذية, فيتم إنجاز مشاريع عمرانية وخدمية كثيرة بعيدا عن مشاكل البرلمان الطائفية, وننقذ هذا النموذج الشريف الرائع من حصارات الموازنة المالية التي باتت ورقة ضغط لا أخلاقية في حماية القتلة والمفسدين وآكلي لحوم الناس وأمنهم. تعالوا معي إذن لإنشاء حلقات شبابية لجمع تبرعات عنوانها (إنسان علي دواي) لإنشاء مؤسسة أهلية لبناء مدرسة أهلية للإيتام أو مشفى أو صيدلية مجانية للأرامل والعوائل التي ليس لها رواتب حزبية, أو لإنشاء مكتبات وصالات رياضة وكمبيوتر للفتيان, أو أي مشروع آخر, في سبيل بناء طليعة أمل جديد, بعيدا عن معتقلات الدوائر الرسمية, بعيدا عن يأس السياسة وأصفاد بنودها الهزلية, تعالوا يا وجهاء مدينة العمارة وشبابها, لديكم اليوم سُنبلة مباركة بريئة, لديكم اليوم شَتلة أمل فلا تحنطوها إلى صنم فتموت, ولا تتركوا سقايتها لمياه الحكومة فتجفّ.
\مقاله للدكتور عبد اللطيف الحرز
وهذه مجموعه من صور الاستاذ علي دواي والله من وراء القصد..
http://www.google.iq/imgres?imgurl=h...9QEwAw&dur=242