فر الأسد إلى روسيا حيث حصل على لجوء سياسي - فرانس برس


أثار الانهيار السريع لنظام بشار الأسد تساؤلات عديدة حول الأسباب التي دفعت الميليشيات الموالية لإيران، المنتشرة في سوريا، إلى الانسحاب المفاجئ دون مقاومة أمام تقدم فصائل المعارضة المسلحة.
ولم يقتصر الجدل على لغز هذا الانسحاب وإخلاء المناطق التي كانت تحت سيطرتها دون أي قتال، بل امتد ليشمل تساؤلات حول أسباب صمت الميليشيات العراقية الموالية لإيران عقب سقوط الأسد. فهل تعرض محور إيران في المنطقة لضربات قاصمة تهدد نفوذه؟ ولماذا تراجعت الميليشيات العراقية عن دعم الأسد خلال الأيام العشرة الأخيرة؟
منذ الأشهر الأولى للأزمة السورية عام 2011، أصبحت البلاد مسرحًا لوجود ميليشيات وفصائل مسلحة، أجنبية ومحلية، تنفذ أجندات إقليمية. ومن بين هذه القوى جماعات مرتبطة بإيران دعمت نظام الأسد وخاضت معارك ضد الجماعات المعارضة المسلحة.
وإلى جانب قوات الحرس الثوري الإيراني، انتشرت في سوريا ميليشيات أفغانية وباكستانية ولبنانية تابعة لطهران، إضافة إلى جماعات مسلحة عراقية موالية لنظام خامنئي.
من بين أبرز الميليشيات العراقية التي كانت تتواجد في سوريا، ميليشيا النجباء، ومنظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله العراق، ولواء أبو الفضل العباس، الذي كان أول ميليشيا عراقية تشكلت في سوريا لحماية مرقد السيدة زينب، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب الإمام علي.
اللواء الركن المتقاعد عماد علو، أوضح أن أغلب الفصائل دخلت العراق وانضمت إلى الفصائل المنضوية تحت القوات العراقية الموجودة على الشريط الحدودي، وقال في تصريحات للحرة: "توجهت إلى العراق كي لا يلحق بها الضرر، ولحاجة العراق إلى سلاح هذه الفصائل وعديدها لتعزيز حدوده مع سوريا التي تمر بمرحلة انتقالية خطيرة".
انسحاب الفصائل الموالية لإيران إلى العراق جاء، بحسب اللواء علو، "لأن أكثرها مرتبطة بقوى وأحزاب سياسية شيعية فاعلة في الحكومة العراقية أو ما يسمى بالإطار الشيعي".
والتزمت هذه الفصائل جانب الصمت منذ سقوط سوريا بيد المعارضة، وأوقفت نشاطاتها العسكرية التي كانت تنطلق من العراق، وامتنعت عن الاشتباكات المسلحة مع المعارضة السورية.
واتخذت هذه الخطوات "كي لا تعطي إسرائيل ذريعة لضربها"، بحسب اللواء علو، الذي أضاف: "قد تلجأ هذه الفصائل في قادم الأيام إلى الذوبان والانصهار ضمن القوات العراقية الرسمية، لا سيما أن أغلب هذه الفصائل تتبع أحزابًا شيعية فاعلة في الحكومة العراقية".
ضباط سوريون في العراق
لكن "علو" بيّن أن اندماج هذه الفصائل في القوات العراقية الرسمية لن يكون سريعًا، بل هو مرهون بـ"شكل العلاقات الدبلوماسية التي ستربط العراق بالحكومة السورية الجديدة"، مشيرًا إلى أن أعدادًا كبيرة من الضباط والجنود السوريين قد فروا إلى العراق خلال الأيام الماضية.
انسحاب الفصائل جعل موقف الحكومة العراقية أكثر قوة بمواجهة الأحزاب التي تقود تلك الفصائل، بحسب علو، الذي لم يستبعد أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات إلى مخازن السلاح التي تمتلكها هذه الفصائل داخل العراق، "خصوصًا السلاح الذي يصل مداه إلى العمق الإسرائيلي".
في المقابل، استغرب الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي، في حديثه مع موقع "الحرة"، موقف تلك الفصائل المسلحة الموالية لإيران، قائلًا: "كان من المتوقع أن تعتمد على مبدأ المواجهة، لأنها كانت تؤكد أن المواجهة هي الخيار الأوحد".
وأضاف أن هذا الخيار قد انحسر بحجج كثيرة غير مقنعة، متوقعًا أن هذه الفصائل لن تستخدم السلاح في المرحلة القادمة.
والتزام هذه الفصائل الصمت ومراقبة ما يجري الآن في المنطقة لا يصب في مصلحتها، بحسب الشريفي، الذي أوضح أن "الوضع الراهن لن يستمر على حاله"، مؤكدًا أن حصر السلاح بيد الدولة قد "لاقى قبولًا لدى جميع الأطراف السياسية في العراق وكذلك المرجعية الشيعية".
خيار نزع السلاح من هذه الفصائل، من وجهة نظر الشريفي، هو بمثابة تسوية عملية للتخلص من السلاح الموجود لدى تلك الفصائل، داعيًا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني "للبت بسرعة بهذه القضية، وتحويل تلك الفصائل إلى أحزاب سياسية تندمج مع المنظومة السياسية في البلاد".
وكان السوداني قد تعهد في بداية تسلمه رئاسة الوزراء في نوفمبر 2022 بنزع سلاح الميليشيات المسلحة ووضعه تحت سيطرة الدولة. إلا أن القرار لم يُنفذ حتى الآن. ويرى الشريفي أن هذا هو التوقيت المناسب لكي يقوم السوداني بتجريد هذه الفصائل من سلاحها، وتسوية أمرها سياسيًا.
الشريفي أكد أن صمت هذه الفصائل قد يمنحها فرصة لمراقبة ما يجري الآن في سوريا، فإذا انهارت العملية السياسية هناك، فإن هذه الفصائل ستجد لنفسها مبررًا لحمل السلاح وقد تعود لمهاجمة إسرائيل مرة أخرى، مما قد يحرج العراق دوليًا "وهذا ما يخشاه السيد السوداني"، بحسب قوله.
ودعا الحكومة العراقية للإسراع بتسوية ملف الفصائل المسلحة في العراق.
وقال مستشار مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، جاسم الموسوي، لموقع "الحرة"، إن هذه الفصائل لم تكن تتوقع ما حدث في سوريا، موضحًا أن الهدف الأساسي مما حصل كان طرد وإخراج تلك الفصائل من الأراضي السورية، وهو ما تحقق.
وكان قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، قد أعلن أمام البرلمان الإيراني، في 10 ديسمبر الجاري، أن جميع الفصائل والقوات الإيرانية انسحبت من سوريا، قائلاً: "حاليًا لا توجد هناك قوات عسكرية إيرانية داخل الأراضي السورية".
ويؤكد الموسوي أن توقف هذه الفصائل عن التصريحات المعادية لإسرائيل وشن الهجمات عليها، جاء نتيجة الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية لإقناعها بعدم زج العراق في معادلة معقدة لن تصب في مصلحة البلاد، بالإضافة إلى كبح جماح تلك الفصائل ووقف هجماتها على القواعد التي تتواجد فيها قوات أميركية.
كما رجّح أن تقوى شوكة الحكومة العراقية في الفترة المقبلة، مرجعًا ذلك إلى عدة أسباب، أهمها أن ما حصل في سوريا ولبنان وغزة أدى إلى تسليم الأمور للحكومات في النهاية، إضافة إلى ذوبان تلك الفصائل التي دخلت الأراضي العراقية وابتعادها عن المناطق الحدودية.
وكانت هذه الفصائل توجه هجمات مستمرة باتجاه إسرائيل منذ نشوب الحرب بين إسرائيل وغزة، تحت مبدأ "وحدة الساحات"، لكن الانهيار السريع لنظام الحكم في سوريا دفع بهذه الفصائل للتوقف عن كل نشاطاتها العسكرية والإعلامية. ولم تصدر أي بيانات حول ما جرى في سوريا، بل اتخذت من الصمت موقفًا بانتظار ما ستؤول إليه الأحداث، بحسب الموسوي.
وبيّن أن ما حصل في سوريا جعل هذه الفصائل تدرك أن البيئة الحالية ليست مناسبة لها، معتقدًا أنها ستنكفئ وتتوقف عن نشاطاتها العسكرية والدعائية "لتحافظ على نفسها ولا تتعرض لضربات من قبل إسرائيل والتحالف الدولي".
إسرائيل وقطع أذرع "محور المقاومة"
من جهته، أكد المستشار العسكري السابق، صفاء الأعسم، أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، نجحت في قطع أذرع "محور المقاومة"، حيث تم توجيه ضربة قاصمة لحزب الله اللبناني والفصائل المسلحة الموجودة في سوريا. وأضاف أن "الهدف التالي لإسرائيل هو تفكيك مبدأ وحدة الساحات الذي كان ينادي به محور المقاومة، وقد نجحت في ذلك".
ويرى الأعسم أن مستقبل الفصائل المسلحة في العراق لا يزال مجهولًا، مشيرًا إلى أنه لا يمكن التضحية بها بسهولة "بسبب التطورات الإقليمية السريعة، بما في ذلك التدخلات التركية في سوريا".
وأشار إلى أن الحكومة العراقية اتخذت موقفًا حازمًا، حيث سترد بقوة على أي ضربات تخرج من العراق. وقال: "أي مواجهة ستكون قتالاً جويًا، والعراق لا يملك منظومة دفاع جوي تحميه من صواريخ وطائرات إسرائيل".
وأوضح أن انسحاب الفصائل من سوريا "جاء برغبة منها وليس بتوجيه حكومي، حيث تعمل بتوجيهات عقائدية طائفية". وأضاف أنه من المحتمل أن يتم تفكيك هذه الفصائل بعد انتهاء مبدأ وحدة الساحات.
أطماع تركية وتحديات إقليمية
كشف الأعسم عن قلق العراق تجاه ما حصل في سوريا، مشيرًا إلى "أطماع تركية في الوصول إلى حلب وحماه وحمص، مع احتمال الوصول إلى الموصل وكركوك". وبيّن أن الموضوع لا يزال مبهمًا لدى الجميع.
واستبعد الأعسم أن تصدر الفصائل العراقية المسلحة في الوقت الراهن أي مواقف أحادية تتجاوز الحكومة العراقية، قائلاً: "قراراتها ستكون توافقية مع مواقف الحكومة العراقية وما يصدر عنها". وأضاف أن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى نزع السلاح من جميع الفصائل وحصره بيد الدولة.
موقف الحكومة العراقية
في المقابل، يرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن هذه الفصائل لجأت إلى "استراتيجية براغماتية" في التعاطي مع الأحداث الجديدة لتجنب المواجهة المباشرة مع الأطراف المعادية. وأشاد بموقف الحكومة العراقية التي استطاعت "امتصاص التبعات التي خلفتها الأحداث في المنطقة".
واستبعد البيدر أن تستهدف إسرائيل تلك الفصائل في الوقت الراهن، قائلاً: "المشهد العراقي لا يزال يدفع باتجاه تعزيز حالة الاستقرار في المنطقة".
يُذكر أن مجموعة من الفصائل العراقية المدعومة إيرانيًا كانت قد أعلنت انضمامها تحت ما كان يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، وقامت بتوجيه ضربات مباشرة إلى إسرائيل عن طريق المسيرات بشكل يومي. لكن هذه الفصائل أوقفت هجماتها بعد سقوط نظام بشار الأسد وانسحابها من سوريا.

مصدر الخبر :
https://www.alhurra.com/iraq/2024/12...B3%D8%AF%D8%9F