أعمال بيكاسو لا تعدو كونها استعراضاً خاوياً
بيكاسو في لحظة إبداع
ثمة شيء «متعِب» عندما يتعلق الأمر ببيكاسو. والشهر الماضي تمكن جوناثان جونز، في مقال له على «غارديان»، من وضع أصبعه عليه. فقد قال: «كل عمل لبيكاسو عبارة عن قطعة فريدة من سيرة حياته». وما يعنيه هذا القول هو أن كل عمل لهذا الفنان - مهما كان باهرا - تافه بحد ذاته. هذه هي النتيحة التي خلصت اليها الكاتبة والأكاديمية الاسترالية جيرمين غرير وهي تكتب على الصحيفة نفسها يوم الاثنين.
ولفهم أعمال بيكاسو، تقول غرير، يتعين على المرء اعتبار كل منها «جملة مقتضبة» أو «صورة فوتوغرفية» تعكس لحظة معينة في حياته. وتبعا لها فباسثناء لوحة «غيرنيكا»، فإن سائر أعماله الأخرى مجرد استعراض كبير خاو يظهر فيه بيكاسو مقدراته الفنية لأجل إظهارها وحسب.
وفي المقابل فإن غيرنيكا هي الاسثتناء لأنها الوحيدة التي نسي فيها بيكاسو نفسه. فخرج عن عادته، وهي أن يسبح في مجد موهبته الفنية الفريدة، وأنجزها بتواضع جم ليخرج بأيقونة صارت رمزا لمعاناة اسبانيا الجمهورية.
وبفضل كلود رويث جيلو بيكاسو، ابن بيكاسو غير الشرعي والممثل الرسمي لورثته، نعلم الآن أن هذا العبقري كان حريصا على «أرشفة» حياته فاختفظ بكل شيء يخصه كبيرا كان أو صغيرا.. من الخطابات الى تذاكر المسرح ومترو الأنفاق. ولم يكن يسمح بخروج شيء من مرسمه قبل تسجيله في الدفتر مع الإشارة الى كل تفاصيله. ويدهش المرء إزاء أن شخصا خلاقا مثل بيكاسو يمكن أن يكون مهووسا بشيء كهذا.
ليت رامبرانت كان على هذا النحو. فلكنا قد حصلنا على نذر يسير من أعماله. وهكذا فإن الغاليريهات التي كانت ستستثمر الكثير من المال لشراء عمل له ستمتنع، على الأرجح، عن السماح لخبير يخفض سعره بالقول إنه لا يعود الى رامبرانت وإنما لفنان أقل شأنا. وهذا مع ان العمل الفني هو العمل الفني ويجب ان يقيم على هذا الأساس وليس نسبة الى صاحبه. لكن هذا هو ما خلفه لنا بيكاسو: أن يصبح الفن هو السيرة الذاتية.
ووَرثة الفنان لا يجنون شيئا وراء تأكيدهم أن أعمالا معينة هي في الواقع أعمال هذا الفنان إلا إذا كانت بجوزنهم. ومن المؤكد انهم لا يريدون التقليل من قيمة ما يملكونه من أعماله نتيجة إغراق السوق بها. و«إدارة بيكاسو» في باريس تتلقى مئات الطلبات يوميا لتأكيد أصالة أعمال تنسب له. فقط حالة أو اثنتين يستجاب لها وفي أغلب الأيام، لا حالة علي الإطلاق.
وعندما أرسل الكهربائي المتقاعد، بيير لوغينيك، الى هذه الإدارة صور بعض الأعمال التي يمتلكها للتأكد من أصالتها، كان يفعل ما يفعله اي شخص امين في مكانه. وقال هذا الرجل إن بيكاسو قدم له 271 عملا بعدما أنجز له العديد من الأعمال في مختلف الدور التابعة له في الفترة 1900 - 1932. فاستدعاه كلود بيكاسو وطلب اليه إحضارها جميعا اليه. وبعد فحوصه عليها قرر انها أصلية فعلا، وعاد الكهربائي بها الى منزله. لكن كلود اتصل بمحاميه الذي اتصل بالشرطة التي أغارت على منزل لوغينيك وصادرت اللوحات واعتقلته قبل ان تطلق سراحه بكفالة.
بيير لوغينيك أمام منزله
ويقول لوغينيك إن بيكاسو اعطاه اللوحات على دفعات خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عمره. وقصته غريبة بحيث يمكن اعتبارها صحيحة. لكن الورثة يقولون الآن إن بيكاسو لم يأت بذكر للكهربائي أو ما قدمه له من أعمال.
ومن الواضح أن لوغينيك لا يعرف شيئا عن الفن التشكيلي وأن إعطاءه أعمالا تشكل ثروة خرافية يعادل إلقاء هذه الأعمال داخل بئر. فهل كان بيكاسو - الذي بلغ التسعين من عمره في العام 1971 - يرمي بذلك لخداع أطفاله الذين لم يجد لهم الوقت في ما تبقى من حياته؟ إذا كان الأمر كذلك فعلا، بيصبح بيكاسو أول فنان يفعل شيئا كهذا على الإطلاق.
ومثلما يحاول ورثة بيكاسو القول إن لوغينيك لا يملك الحق في الحفاظ على أعماله، فإنهم أنفسهم يواجهون موقفا مماثلا. فقد ظلوا عرضة للهجوم على مدى السنوات العشر الماضية من قبل المؤرخ الفني رومولو - انتونيو تينيس الذي أتى بدلائل على أن العديد من أعمال بيكاسو في شبابه الباكر هي في الواقع أعمال أنجزها والده خوسيه رويث بلاسكو ونسبها بيكاسو لنفسه أو نُسبت اليه خطأً.
من أعمال بيكاسو التي تركها للوغينيك
وقد أقر بيكاسو نفسه للكاتب جيوفاني بابيني في العام 1952 بأنه «مزيّف» عدما قال له: «كما تعلم، فأنا اليوم مشهور وثري. لكنني عندما أكون وحيدا مع نفسي، لا أجد الثقة التي تسمح لي باعتبار نفسي فنانا بالمعني الكلاسيكي للكلمة».
ومضى يقول: «التشكيليون العظام هم أناس من أمثال جيوتو وتيتيان ورامبرانت وغويا. أما انا فلست بأكثر من فنان للترفيه العام تمكن من فهم العصر واستغل الغباء والخيلاء والطمع وغيرها مما يتميز به أقرانه ومعاصروه. وربما كان اعترافي هذا مريرا وأكثر إيلاما مما يبدو عليه. لكنه صادق على الأقل»
ربما كان بيكاسو فنانا متميزا. لكن آخر وأعظم إنجازات هذا الرجل، الذي ظن أن حياته هي محور الوجود، هو زعزعة