درر العراق

الطائر الحر · منذ 23 ساعات

أساور فضية للملكة حتب حرسأساور فضية للملكة حتب حرس

كشف تحليل الأساور الفضية للملكة “حتب حرس”، والدة الملك خوفو، صاحب الهرم الأكبر من أهرامات الجيزة، أن مصر واليونان ارتبطتا بعلاقات في التجارة لمسافات طويلة في وقت أبكر مما كان معروفًا في السابق، وتمثل مقبرة الملكة “حتب حرس” أكبر وأشهر مجموعة من المشغولات الفضية من مصر القديمة.

مقبرة حتب حرس

وأفاد باحثون في مجلة العلوم الأثرية أنه بينما يعرف الباحثون منذ فترة طويلة أن المصريين القدماء كانوا يتاجرون مع الحضارات الأخرى، فإن الدراسة الجديدة تقدم أول دليل علمي على أن الفضة مصدرها جزر بحر إيجة في اليونان.

وتقدم الأساور نظرة ثاقبة على حياة حتب حرس، حيث كانت لغزًا نوعًا ما، حيث كان لها كبير في الأسرة الرابعة في مصر، في فترة زمنية تُعرف بالمملكة القديمة (2700 قبل الميلاد – 2200 قبل الميلاد)، فكانت متزوجة من الملك سنفرو، وأنجبا ابنهما الملك خوفو، الذي يُعتقد أنه كلف قبرًا وهرمًا لجسد والدته.لآلاف السنين، ظل مكان دفنها غامضًا، حتى عثر المستكشفون على مدخل في الجيزة عام 1925، حيث وجدوا تابوتها فارغًا، وتوقعوا أنها دُفنت بالقرب من هرم زوجها في دهشور، لكن ابنها أمر بنقل قبرها إلى الجيزة بعد اقتحام اللصوص.

بينما لا يزال مكان جسدها وزخارف الذهب مجهولاً، تم انتشال عدد من العناصر من القبر، بما في ذلك الأساور الموجودة في متحف الفنون الجميلة في بوسطن، حيث عمل فريق ضم باحثين من المتحف ومن فرنسا على مسح الأجزاء ضوئيًا لتحديد مكوناتها. بينما تم فحص الأساور لآخر مرة منذ عقود لتحليلها علميا.
وكشف التحليل الجديد أن الأساور تتكون من الفضة مع آثار من النحاس والذهب والرصاص وعناصر أخرى. وأنها صنعت عن طريق طرق المعدن المشغول على البارد مع التلدين المتكرر، والذي يتضمن تسخينه إلى درجة حرارة معينة لمنع الكسر.

العلاقات التجارية لمصر القديمة

وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة كارين سوادا، مديرة المركز الأسترالي لعلم المصريات بجامعة ماكواري، إن “هذا النوع من الشبكات التجارية القديمة يساعدنا على فهم بدايات العالم المعولم، وبالنسبة لي هذا اكتشاف غير متوقع للغاية في هذا الاكتشاف بالذات، فهذه الأشياء نفسها تمنحنا نافذة على حياتها وكيف تعيش”.

وتوضح أنه عُرف عن مصر القديمة أنها غنية بالذهب، ولم يكن لديها مصادر محلية للفضة. وأن الأساور تمثل “الفضة الوحيدة الكبيرة الحجم الموجودة في هذه الفترة من الألفية الثالثة قبل الميلاد”.
وتشير إلى أن “الفضة لها أيضًا عيب إضافي يتمثل في سهولة التآكل. ولم يتم الاحتفاظ بكميات كبيرة منها حتى أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد”، مؤكدة أنه يشير الأدب المصري القديم إلى مواد مثل الفضة واللازورد في سياق السلع المستوردة، ولم يتم الحفاظ على أصولها أبدًا.

الفضة من بحر إيجة

ورغم أن الباحثين افترضوا أن الفضة مستخرجة من الذهب المحلي الذي يحتوي على نسبة عالية منها، لكن التحليل الجديد لهذه الأساور ألقى بظلال من الشك على هذه النظرية. حيث تبين أن نسب نظائر الرصاص في الفضة من هذه الفترة الزمنية متوافقة مع الخامات من جزر سيكلاد في بحر إيجة، وبدرجة أقل لـ “أتيكا” في اليونان.
وقالت الدكتورة سوادة إنه “لذا فإن هذه الأساور تمثل فرصة فريدة جدًا جدًا لفهم ليس فقط تقنيات تشغيل المعادن في هذا الوقت، ولكن أيضًا لفهم الشبكات التجارية الموجودة، والتي تعد مهمة جدًا لفهم نشوء الدولة المصرية”.
شبكات التجارة التاريخية في مصر
ولوحظت شبكات التجارة التاريخية في مصر في الأدبيات العلمية، حيث يُنظر إلى مدينة جبيل القديمة في لبنان على أنها مركز رئيسي لمواد مثل الخشب، وخاصة الأرز اللبناني.
فتقول ميلاني بيتكين، أمينة مجموعة نيكولسون للآثار في جامعة سيدن، إن المصريين لديهم موانئ نشطة على طول منطقة الدلتا كانت تنقل البضائع من وإلى مصر، إلى جانب الطرق الصحراوية البرية بين وادي النيل والبحر الأحمر.

وقالت: “كانت الصحراء الشرقية بأكملها مكانًا للمعادن النفيسة، لذا كانوا يستخدمون الحمير للقيام بذلك، وأيضًا سيرًا على الأقدام”.

ويمكن العثور على الأرز اللبناني في بعض هياكل المملكة القديمة، وقد تم التنقيب عن القطع الأثرية المصرية من مناطق معروفة بأنها كانت تستخدم كمراكز تجارية مثل أوغاريت في سوريا الحديثة، وفقا لما أوضحه برنت ديفيس، المحاضر الأول في علم الآثار في جامعة إذا ملبورن.
وتم توثيق المزيد من المعلومات حول شبكات التجارة في مصر مع تقدم الوقت في المملكة الوسطى (2040 قبل الميلاد – 1782 قبل الميلاد) ثم الدولة الحديثة (1550 قبل الميلاد – 1069 قبل الميلاد).
فيقول ديفيس: “في المملكة الوسطى والمملكة الحديثة هناك الكثير من أوراق البردي التي تحتوي على سجلات إدارية وسجلات تجارية وما إلى ذلك لكن بالنسبة للمملكة القديمة، مضى وقت طويل جدًا، لم تنج معظم هذه الوثائق”.

كيف حصلت مصر على هذه الفضة؟

وتوضح سودة أنه بدلاً من الحصول على الفضة مباشرة من جزر سيكلاديز فقد استفاد المصريون القدماء من علاقتهم مع نخبة جبيل في لبنان للحصول عليها. وتقول إن المصريين ربما كانوا على علم بأن مصدر الفضة بعيد عن متناولهم، لكن يمكنهم استخدام شبكاتهم لصالحهم حيث توسطت جبيل في الحصول على هذه الفضة من بحر إيجة، والتي استحوذت عليها الدولة المصرية في جبيل”.