هي عادة الفراش والجنادب والحشرات الصغيرة، إذا أوقد الإنسان نارًا في الخلاء؛ يجذبها ضوء النار ويميتها. لذلك يستعمل الناس قاتل البعوض والحشرات الطائرة ليلًا؛ صاعق يجذب ضوء الأشعة المنبعثة منه البعوض والذباب والعث والفراشات والحشرات الأخرى ثم يقتلها بوساطة الجهد الكهربائي العالي.
نحن الآباء والأمهات أحيانًا نشعر أن أبناءنا وبناتنا مثل الفراشات، يحومون حول النار ونحن نحاول حمايتهم؛ لا تفعل هذا، لا تقرب ذاك، ابتعد عن فلان، ابتعدي عن فلانة، أين عقلك وسمعك وبصرك؟ كل ذلك رجاء أن يحموا أنفسهم. هذه الفراشات الناعمة ترى من سبقها ولا تتعلم من التجارب المحرقة!
من لطف الله سبحانه وتعالى أن جعل أبًا لهذه الأمة الإسلامية يريد أن يحميها من النار. ذلك الأب هو النبي محمد -صلى الله عليه وآله-. شعلات النار في البرية والخلاء تجذب الفراشات والحشرات لأن لا أحد يحميها ويمنعها من قتل نفسها. أما نحن فقد أرسل الله لنا النبي محمد -صلى الله عليه وآله- كي يمنعنا من إلقاء أنفسنا كالفراشات في النار.
جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وآله-: "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي". أليس أكثرنا هكذا؟ يسعى إلى النار برجليه ويديه وبكل جوارحه، والرسول -صلى الله عليه وآله- يريد أن يمنعه من إلقاء نفسه في النار!
أحاديث رائعة كثيرة يذكرنا فيها النبي -صلى الله عليه وآله- بحاله وحالنا: "مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومًا فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء! فأطاعته طائفةٌ من قوم فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانه فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق.
قال عنه الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}؛ نبي لا يفرح لمتاعبكم وآلامكم، يريد هدايتكم، بكم رؤوف رحيم.
أليس غرض الله سبحانه وتعالى من إرسال الرسل والأنبياء هدايتنا وإبعادنا عن النار؟ كم من رسول ونبي أرسله الله على مدى التاريخ! منهم من نعرف ومنهم من لا نعرف، نعصيه ويغفر لنا! نعصيه ولا يعجل بالعقوبة ويقبل سبحانه وتعالى التوبة ولو بلغت الأمور إلى "الحلق".
عندما ينبلج الضوء يتكشف للفراشات الناصح الأمين والمحب الصادق لكن قد يكون فات الأوان ويتضح أن معرفة الفرق بين النور والنار ضرورة من ضرورات البقاء والنجاة.