بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين


عشق الله (موانعه، موجباته، كيفية تحصيله)


عشق الله عز وجل كالهواء الذي يهب ليحرك سفينة النفس التائهة وسط بحار الأهواء، ولكن سفينةالنفس لا تتحرك بدون رفع أشرعة القابلية النفسانية لتلقّي رياح الحضرة الإلهية الجاذبة للسفينة إلىشاطئ الحضرة المقدسة وبر الأمان من غوائل الشيطان، أما بعد هذه جولة في معرفة موجبات وموانع العشق الإلهي وكيفية تحصيله وتثبيته.

الموانع :

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} القلب له وجهة واحدة، لا يمكن الإشتغال بمحبوبين في آنواحد ؛ قال الإمام علي عليه السلام (وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى
بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْن غَيْرِ صَحِيحَة ٍ غَيْرِ سَمِيعَة ٍ تخلّى المؤمن من الدنيا سما، ووجد حلاوة حب الله، وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط، وإنما خالط القوم حلاوة حبّ الله، فلم يشتغلوا بغيره).

لذا، وفي بداية الأمر يجب إزالة الموانع، وإلا كيف يستنير القلب المحجوب؟
أُمُّ الموانع هي حب الدنيا (حب الدنيا رأس كل خطيئة)، وحب الدنيا منشؤه حب النفس التي هي أُمُالأصنام، الإنسان - حسب فطرة عشق الكمال - يصمُد ويُقدس ويسبح كل ما يعجبه سواء اً كان صديقاًأو أخاً أو جماداً أو عاطفة الأمهات والآباء نحو أبناء هم بل حتى العلم!
كل هذه حجب ظلمانية وآلهة مصطنعة، وهذا شرك في مقام العمل {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلههُ هَوَاهُ} {وَمَايُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} هذا في حال نسب آثار المخلوقات لأنفسها لا لخالقها.

أول خطوة لإزالة الموانع هي التفكر والنظر بعين العقل والفطرة في مدى وضاعة طلب غير الله عز وجل، فالإنسان له بدن ذو عوارض مادية من قبيل الشهوة والغضب.. كذلك الحيوان ؛ إذاً ما الفرق؟ فلنطلق الدنيا ثلاثاً كما فعل الإمام علي عليه السلام وهو القائل {وَ أَخْرِجُوا مِنَ اَلدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْتَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ}.

كُلٌ من عملية الطعام والشراب واللباس وسائر لوازم البدن وما يصدر من جهالات النفس كالعُجببالنفس والرياء والتفاخر هذه كلها لعب أطفال وحال خسيس لا يجب القنوع به {فَفِيهَا اُخْتُبِرْتُمْ وَلِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ}!!

الموجبات :

هناك عناصر مهمة من شانها أن تُورث العشق في قلب المُريد، وهي العلم بالله وملائكته ورسله وكتبه، هذا من الناحية الفكرية أفضل سبيل إلى محبته، ولا ينال المحبة إلا من سار بنهج أهل البيت عليهم السلام وتولى أوليائهم وتبرأ من أعدائهم، وهذه الخطوة أساس لكل العلوم والمعارف والكمالات.

طوّر الجانب العلمي لديك، عليك بمسائل القضاء والقدر لأنه لا يمكن أن تعشق من لا تعتقد بعدله!
كما لا يمكن أن تعشق الله وقلبك مليء بالشكوك العقائدية والقلبية.

فإن أهم عنصر هو صحة الإعتقاد، وفي حال وجود خلل في الإعتقاد تظهر الشكوك فور محاولتك لاستحضار العشق له سبحانه وتعالى كما أسلفنا.

يقول الشيخ رجب علي الخياط قدس سره الشريف بأن الإحسان للمساكين والترحم عليهم - تحت إطارالشرع - موجب لإنقداح عشق الله تعالى، بل وفي حال عدم وجود مساكين في بلدكم فلتعطف على الحيوانات، وكل ذلك يؤدي إلى تلطيف القلب وظهور الرحمة فيه وحينها تستطيع أن تدرك رحمة الله تعالى لأنك تحوي شيئاً من الرحمة، ولكن انتبه لئلا تحتجب عن الله تعالى بخلقه فتنشغل عن الحضور والأنس بجماله وجلاله.

وجّه فكرك دائماً نحو الله تعالى، فكر في العلوم التي تعلمتها، أعرض - بما أوتيت من قوة - عن الخيالات الفاسدة للنفس ومحادثة من ليس بحاضرٍ معك، اترك حديث النفس، ولا تظنن بأن ذلك صعب، هو صعب في حالة واحدة ؛ وهي عدم وجود مادة صالحة في الذهن لتفكر فيها لذلك يجب تغيير البيئةللحصول على ثمار العمل.

وهو قول رسولُ اللهِِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ): {لولا تَمَزُّعُ قلوبِكُم وتَزَيُّدُكُم في الحَديثِ لَسَمِعتُم ما أسمَعُ}.

والتفكر لا يؤتي ثماره والبطن ممتلئ، قال الإمام الباقر عليه السلام : {ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مملوء} ولا بالإشتغال بسائر الشهوات


وذكر الله هو عشقه لا غير!

كيفية تحصيلها :


بعد إزالة النجاسات عن صفحات القلب وصقلها وتنظيم أوراقها، يأتي دور الكتابة والتلقين، يقول السيد الإمام الخميني - قدس سره - ما مضمونه أن القلب في حال الذكر كالطفل الذي يتعلم النطق، فعليك الآن وبعد تطهير القلب أن تختار وقت ومكان مناسبين لإدخال العشق ونقشه على القلب بمداد اللسان والعقل مستخدماً كلمة (يا رب) أو أي اسم له - عز وجل - تطمئن به، ومع كل مرة تقوم بالذكر إستحضر وجود الله معك وتذكر رحمته ونظره إليك، وبهذه الطريقة يتعلم القلب العشق.

{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} في هذه الآية إشارة بأن الأدعية والأذكار التي من شأنها إدخال أسس العشق في القلب لا تنفع بلا عمل صالح، فيكون معنى الآية أن العمل الصالح بمثابةجناحين يمكّنان النفس من التجول في سماء العشق للحضرة الأحدية المقدسة، فالعمل الصالح من شأنهرفع الأذكار وحصول الثمار.

أفضل الأوقات للذكر وتحصيل المحبة هو قبل الشروق ووقت السحر، والسبب هو قلة إنشغال القلب عن الدنيا في تلك الأوقات، وأفضل الأماكن المسجد حين خلوه من الناس، أو أي مكان لا يوجد فيه إنسان فهو مناسب لأنه يزيد في توجه النفس لجهة واحدة وهي الله تعالى.

لا تستعمل الأذكار إلا في وقتها، ففي حال عدم جدوى الأذكار حاول في وقت آخر لأن ذلك يوجب قسوةالقلب عن ذكر الله تعالى فاحذر!
فعن الإمامُ الرِّضا (عَلَيهِ الّسَلامُ) قوله :
{
إنَّ لِلقُلوبِ إقبالاً وإدباراً، ونَشاطاً وفُتوراً، فإذا أقبَلَت بَصُرَت وفَهِمَت، وإذا أدبَرَت كَلَّت ومَلَّت، فَخُذُوهاعِندَ إقبالِها ونَشاطِها، واترُكُوها عِندَ إدبارِها وفُتورِها}.

لذة العشق لا وحشة فيها ولا تعب ولا ملل، بل سعي متصل وحضور دائم عند المعشوق، فيكون الله تعالى - بعد انقداح العشق في قلب العبد - أفضل من والديه وأصدقاء ه وجميع ما سوى الله تعالى وسيكون هو المتكفل بتربيته وتهذيبه!

تثبيت ودوام العشق :

بعد كل ما مضى ذكره، يجب عليك أن توصل هذا العشق من حال مؤقت إلى مقام دائم لك، (والعمل الذي تقدم ذكره هو عمل جزئي بسيط، ولا إشكال فيه ولا يتعارض مع الأعمال الأخرى، وليس فيه أي ضرر، لذا فمن المفيد أن يلتزمه طالب الحق تعالى مدة، فإذا رأى منه أثراً في تصفية قلبه وتطهيره، وتنور باطنه، فليعمل به أكثر.... وإذا خصص عدة دقائق في اليوم والليلة - بحسب إقباله وتوجهه، أيبحسب مقدار حضور قلبه - لمحاسبة النفس على مقدار سعيها في اكتساب نور الإيمان [وهو الذكر الدائم لله تعالى]، ومطالبتها بهذا النور والبحث عن آثار الإيمان فيها، فإن ذلك سيؤثر في حصوله على النتائج بصورة أسرع إن شاء الله)[السيد الإمام الخميني قدس سره].

(وأؤكد هنا تمام التأكيد على الصلاة لأنها معراج المؤمنين، وليس المهم عندي أن يرى الإنسان في المنام رؤيا لمرة أو مرتين أو أن يشاهد وقت الذكر نوراً بل يتلخص جوهر الأمر على قضيتين، إحداهما : الطعام الحلال، والثانية : الإنتباه في الصلاة ؛ فإذا صلحت هاتان صلح ما سواهما. ولب اهتمامي هو إصلاح القلب، وما ذكر {يا حي يا قيوم} في الأسحار إلا لهذا الغرض.... الأشخاص الذين يرغبون باتباع طريقتي عليهم أولاً فهم المعاني الصورية للصلاة، ثم التأويلات المعروضة ومن بعدها النقاط الأخرى، بنفس النحو الذي ذُكر عن الإمام الصادق عليه السلام في تكرار عبارة {إياك نعبد} حتى غُشي عليه، لا أن يتجاهل امرء الأحكام الشرعية ويُركز كل همه على الأذكار. فالحقيقة لا بد وأنتُستقى من الشريعة..... التكليف اليوم هو أولًا : الصلاة في أول وقتها، وثانياً : الإهتمام بحضور القلب عند الصلاة، وإنّ هذا العمل كالخط في الكتابة [الإستنساخ] لا يصلُح بيوم أو يومين بل يستلزم وقتاً طويلاً، وبعد الفراغ منه تأتي على النهوض قبل الصباح) [العارف الشيخ حسن علي الأصفهاني(النخودكي) قدس سره].

ينقل العارف الشيخ الأصفاني :
(يقول المرحوم الفيض بعد هذه العبارات : حسبما يقول أرباب المعرفة، الذكر أربع مراتب :
الأول : ذلك الذكر الذي يجري على اللسان فقط.
الثاني : ذلك الذي عادوه على اللسان، يصير القلب ذاكراً ومتذكراً أيضاً وبديهي أنه لحضور القلب يلزم المراقبة والمداومة، لأن القلب إذا تُرك لحال نفسه يسرح في وادي الإنكار.
الثالث : ذلك الذي يتمكن من القلب أيضاً ويستولي عليه بشكل يكون رجوع القلب منه صعباً كما كان في النوع الثاني حضور القلب بالنسبة للذكر مشكلاً.
وأخيراً الرابع : ذاك الذي يكون فيه العبد مستغرقًا في المذكور " جل شأنه " مباشرة بأن لا ينتبه أبداًإلى ذكره ولا إلى قلبه - في هذه الحال التي ينصرف توجه الذاكر إلى الذكر، نفس الذكر يكون حجاب روحه، وهذه الحال تكون نفس التي عُبّر عنها في عرف العارفين بالفناء، وذلك كل المقصود وتمامه وكمال المطلوب من ذكر الباري تعالى).

في الختام، العشق لا يستقر في القلب إلا بعد هدوء ضوضاء الخيالات والتعلقات الدنيوية فيه، وتمام ومنتهى العشق هو الإستحكام وصعوبة الرجوع عنه، وكمال المطلوب في قول الرسول صلى الله عليه وآله (اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ).

___________
نسألكم الدعاء

منقول