حلقات لا متناهية من الأسئلة والخواطر والمشاعر، عبرت عنها الفنانة آية الفلاح في معرضها الجديد «هل تراني»، بأعمال جمعت بين الرسم والنحت، وعكست حالات مزاجية إنسانية، لتجسد مشاعرنا في عالم مليء بالزحام والضجيج.
على مدار عامين تقريبا، كانت آية الفلاح تعد لمعرضها الجديد، الذي قد يكون رحلة نفسية استحضرت فيه الفنانة خواطرها وطرحت فيه أسئلتها، ووصلت معه لحالة من القبول وفهم الذات، لتسلط من خلاله الضوء على أهمية الوعي النفسي.
هل تراني لـ آية الفلاح
منذ احترافها الفن قبل نحو 20 عاما، تختار “الفلاح” موضوعاتها ليس بقرار مسبق، ولكن بأفكار نابعة من داخلها، فبدأت رحلتها في معرضها الجديد بسؤال تبادر لذهنها ذات يوم يقول «هل تراني؟»، وراودتها مئات التساؤلات والأفكار في رحلة طويلة من التفكير انتهت بالتصالح من الذات.
لم يكن الأمر بالنسبة لها شخصيا فحسب، بل وجدت الكثير من الأشخاص الذين تفاعلوا معها عبر منصات التواصل الاجتماعي، بنفس الأفكار والأحاسيس والتساؤلات، فتقول إنها شعرت ببعض الأشخاص لديهم نفس التساؤلات، وأعطتهم فكرة عن المعرض وعن مدى رؤيتهم من قبل الآخرين لتحصل منهم على إجاباتهم، ومنها طورت فلسفة المعرض لتجد في النهاية أن المشكلة بالأساس هي عدم التواصل بشكل كافٍ بين الناس.
وتوضح في حديثها لـ«أيقونة» أن رحلة المعرض كانت لاكتشاف الذات وتشابه الأشخاص، بدون اتفاق أو تواصل بينهم، لذلك استخدمت «أقنعة» على وجوه أبطال أعمالها، لا يخفي معالم الوجه لكنه يخفي التفاصيل الصغيرة التي تشكل فارقا وتكشف حقيقة الشخص وأوجاعه وآلامه.
وتشير إلى أن السؤال البسيط قادها إلى رحلة ممتعة، اكتشفت معها أن الآلام والتفاصيل الصغيرة ليست ضعفا، وأن الشخص يحتاج لإخبار من حوله بما يشعر وكيف يراهم ويتقبلهم ويتقبلونه، مضيفة أن كل شخص يريد أن يظهر للآخرين وهو في أفضل حالاته، لكنها باتت تتقبل ضعفها وتتصالح مع حقيقتها، ولا تنكر حقيقة أن الآخرين باتوا في منتهى القسوة في التعامل وإطلاق الأحكام على أي طرف.
الوعي النفسي
وتؤكد “الفلاح” أهمية أن يولي الشخص اهتمام بالوعي النفسي والرعاية الذاتية، لأن مشكلته قد تكون في نفسه وليس في الآخرين، مضيفة أنها في مرحلة متأخرة من حياتها اكتشفت إصابتها بفرط الحركة ونقص الانتباه.
وترى الفنانة أن هناك بعض الأمراض لا يقدرها الآخرون، ومنها الأمراض النفسية، لأن الأشخاص يتفاعلون مع الأمراض الجسدية والحالات النفسية المصاحبة للانفصال أو الوفاة، لكن الانكسارات النفسية أو الضعف بسبب تراكمات معينة أو مشاعر القلق والتوتر والاكتئاب والحزن، كلها غير مقدرة من الآخرين. كل ذلك اكتشفته في معرضها الذي أصبح رحلة بحثية غير مقصودة، تداعت أفكاره ومعلوماته لا إراديا.
مزيج فني
في أعمالها، تمزج “الفلاح” بين الألوان القاتمة والفاتحة، بين مشاعر الحزن والانكسار والفرح والبهجة، قائلة إن ههذ هو الحياة، فكل يوم له شعور مختلف، فجمعت الأعمال بين ألوان ومشاعر مختلفة، مضيفة أنها استمتعت بتجربة المعرض واكتشاف أن هناك الكثير من الأشخاص متشابهين لكن غير مرئيين.
كذلك اعتادت آية الفلاح على المزج بين وسائط فنية مختلفة، ففي معرضها الأخير استخدمت مزيجا من خلفية موسيقية مع الأعمال الفنية، وفي المعرض الحالي تقدم أعمال نحتية، فقدمت نفس أبطال لوحاتها بالنحت لتجعلهم أقرب للجمهور، كما وضعت مرآة في المعرض لتقول للزوار إن الجميع لديهم نفس الشعور بدرجات مختلفة وأنه لا مجال للحكم على الآخر.
تقدم “الفلاح” في المعرض نحو 50 عملا فنيا، بينهم 5 منحوتات، وهو المعرض الفردي السادس لها، بخلاف العشرات من المعارض الجماعية التي نظمتها، بعد أن بدأت عرض أعمالها منذ التحاقها بكلية الفنون الجميلة عام 2004.
المعرض يستمر من 9 ديسمبر الجاري إلى 8 يناير المقبل في قاعة الزمالك للفن.