هَلْ كُنْتَ مِثْلِيَ يَا جَدَّاهُ تَرْتَجِفُ؟
لَمَّا تَمَكَّنَ مِنْكَ الوَجْدُ وَالشَّغَفُ

هَلْ خَابَ ظَنُّكَ حِيْنَ الشَّمْسِ قَدْ أَفَلَتْ
بِرَبَّةٍ كَالوَرَى تَأْتِيْ وَتَنْصَرِفُ

هَلِ انْتَبَذْتَ مَكَانَاً نَائِيَاً لِتَرَى
رُوْحَ الحَقِيْقَةِ وَالأَسْرَارِ تَنْكَشِفُ

وَقَفْتُ مِثْلَكَ بين البينِ مُضْطَرِبَاً
أَنْ أَدَّعِي العِلْمَ أَمْ بِالعَجْزِ أَعْتَرِفُ

وَصِرْتُ أَسْمَعُ أَصْوَاتَاً وَأَفْهَمُهَا
وَفِيْ الخَيَالَاتِ سِرٌ بَاتَ يَنْكَشِفُ

بِأَنَّ جِلْدِيَ تَارِيْخٌ وَأَنْسِجَتِي
مُذْ أَوَّلِ الدَّهْرِ لِلْقَوْمِ الأُلَى صُحُفُ

وَأَنَّنِي الآكِلُ المَأْكُوْلُ مُذْ وَطَأَتْ
أَقْدَامُ آدَمَ حَتَّى تَسْقُطَ الكِسَفُ

مَنْ مَسَّهُ الضُّرُ أَوْ مَنْ مَسَّهُ تَرَفُ
هَذَا التُّرَابُ وُجُوهٌ فَوْقَهَا نَقِفُ

كُنْهُ المِيَاهِ الَّتِي نَظْمَا وَتَشْرَبُهَا
أَشْلَاءُ أَهْلٍ لَنَا قَدْ نَالَهَا تَلَفُ

هَذَا الغُبَارُ بَقَايَا جِلْدِ مَنْ ذَهَبُوا
إِلَى الفَنَاءِ لِيَأْتِيْ بَعْدَهُمْ سَلَفُ

هُنَا بَقَايَا لِخَدٍ تِلْكَ جُمْجُمَةٌ
ذَاك المُهَشَّمُ مِنْ أَطْرَافِهِ كَتِفُ

أَمْشِي مَعَ النَّهْرِ، وَالأَمْوَاجُ تُخْبِرُنِي
أَنَّ الحُقُوْلَ لِقَطَّافِيْنَ قَدْ قُطِفُوا

حَيْثُ الجِرَارُ عُيُوْنٌ ذَابَ بُؤْبُؤُهَا
تَكَادُ تَهْتِفُ لَوْلَا أَنَّهَا خَزَفُ

أُسْقِي اليَمَامَاتِ دَمْعَاً سَالَ مِنْ حَدَقٍ
خَلْفَ الجُنُوْدِ لِغَادَاتٍ بِهَا شُغُفُ

ثَوْبِيْ القَتِيْلُ بِهِ وَالقَاتِلُ اجْتَمَعَا
حَيْثُ النَّقَائِضُ وَالأَضْدَادُ تَأْتَلِفُ

وَيْحِيْ أَدُوْسُ عَلَى أَهْلِيْ بِلَا خَجَلٍ
إِذَا مَشَيْتُ وَبِالأَسْلَافِ أَلْتَحِفُ

الرَّاحِلُوْنَ وَإِنْ شَادَ البُنَاةُ لَهُمْ
فِيْ رَبْعِهَا غُرَفَاً مِنْ فَوْقِهَا غُرَفُ

مَنْ عَلَّمَ النَّهْرَ أَنْ يَجْرِيْ إِلَى أَزَلٍ؟
مَنْ يَأْمُرُ اللَّيْلَ أَنْ يَنْأَى وَيَزْدَلِفُ؟

أَيَطْلَعُ الطَّلْعُ مِنْ أَكْمَامِهِ زُمَرَاً
بِأَلْفِ لَوْنٍ وَشَكْلٍ كُلُّهَا صُدَفُ؟

هَذَا النَّخِيْلُ نَبِيَّاتٌ حَمَلْنَ لَنَا
رَسَائِلَ اللهِ يَتْلُو آيَهَا السَّعَفُ

يَا كُلَّ مَنْ مَاتَ.. يَا آتٍ لِعَالَمِنَا
أَنْتَ الجَمِيْعُ وَمِنْكَ الكُلُّ مُقْتَطَفُ