تدهور الوضع الاقتصادي في إيران جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ سنوات، دفع طهران إلى التوجه نحو العراق لتعويض ما لحق بها من خسائر، سيما بعد وصول جماعات مقربة لها إلى مراكز صنع القرار في بغداد بعد عام 2003.
يقول مدير مركز بغداد للتنمية الاقتصادية، علي مهدي، لموقع "الحرة" إن طهران أغرقت الأسواق العراقية بـ"منتجاتها الرخيصة" بغية الحصول على العملة الصعبة، التي تعاني شحا فيها، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها.
بدأت الأزمة الاقتصادية في إيران مع سلسلة العقوبات التي فرضتها واشنطن، على خلفية قضية الرهائن الأميركيين الذين احتجزوا في السفارة الأميركية بطهران، بعد الثورة الإيرانية عام 1979.
ويقول الخبير الاستراتيجي، محمد الموسوي، إن تلك العقوبات، المفروضة بموجب الأمر (12170) أدت إلى تجميد أصول إيرانية بقيمة 12 مليار دولار، وأن حرب الثمان سنوات مع العراق في ثمانينات القرن الماضي كبدتها خسائر قُدرت بـ 400 مليار دولار أميركي.واستمر فرض العقوبات على إيران طوال السنوات الأربعين الماضية، بسبب برنامجها النووي ودعمها لجماعات مصنفة على لائحة الإرهاب، آخر العقوبات هي التي فرضها الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الجاري على خلفية دعمها لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا.




وذكر علي مهدي، أن استمرار إيران في مشروعها النووي، "زاد من العقوبات وفتك بقطاعها الاقتصادي" ما جعلها تضطر إلى البحث عن طرق جديدة للحصول على العملة الصعبة، ووجدت في العراق وسيلة لتحقيق هذه الغاية.
في حين أشار الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن المشهداني، إلى أن إدراج إيران ضمن القائمة السوداء الخاصة بمجموعة العمل الدولية (FATF) منذ عام 2019 قد أبقى إيران ضمن عزلتها الاقتصادية، وحيّد من حريتها التجارية في المنطقة.
وأوضح أن الدول المدرجة في هذه القائمة هي التي تعاني من قصور في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مما يصعب التعامل معها اقتصاديا.
ونجم عن هذا التدهور الاقتصادي، بحسب المشهداني، انهيار للعملة الإيرانية (التومان) إذ وصلت إلى أدنى مستوياتها، وبلغ سعر صرفها نحو (8) ملايين تومان للدولار الواحد، ما أدى إلى حدوث تضخم مالي نتيجة الزيادة المستمرة في أسعار السلع والخدمات.
التدهور في اقتصاد إيران، يضيف المشهداني، كان له تبعات أخرى داخلية منها ارتفاع معدلات البطالة والفقر ، ما أثر سلبا على المستوى المعيشي للمواطنين هناك.
ويرى الاقتصادي كاوه عبدالعزيز، رئيس جمعية حماية المستهلك، أن التدهور الاقتصادي في إيران سبب ارتفاعا في معدلات الفساد، "فبحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية للعام 2023، احتلت إيران المرتبة 149 من مجموع 180 دولة بواقع 24 درجة، وهو أدنى مستوى لإيران تم تسجيله خلال العشر سنوات الأخيرة".

العراق يدفع ثمن "الالتفاف" الإيراني على للعقوبات

اتبعت إيران أساليب ملتوية للتخلص من تبعات العقوبات الدولية، بحسب كاوه عبد العزيز، الذي أضاف لموقع "الحرة"، أن من بين هذه الأساليب "تأسيس كيانات وشركات وهمية عديدة في العراق، تورطت بسحب كميات كبيرة من الدولار عن طريق بعض المصارف التي تتعامل مع البنك المركزي العراق ونقلها الى إيران".
ولفت عبد العزيز أن هذا الأمر دفع الولايات المتحدة عام 2023 لفرض عقوبات على بعض المصارف العراقية والضغط على البنك المركزي لتشديد إجراءاته.
من جانبه، قال علي مهدي إن إيران زادت خلال هذه السنوات من صادراتها غير النفطية إلى العراق ليتجاوز مثلا الحجم التجاري بين البلدين الى 10 مليارات دولار.
وكان السفير العراق في طهران، نصير عبدالمحسن، تحدث في سبتمبر 2024، عن تزايد حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران " تجاوز 10 مليار دولار، متوقعا أن يرتفع هذا الرقم إلى 20 مليار في نهاية هذا العام".
هذا التبادل الكبير، يضيف مهدي، خلق مشاكل للعراق، لأن إيران "لا تقبل البيع بالعملتين العراقية والإيرانية، وإنما تريده بالدولار "، موضحا أن "هذا الأمر دفع التجار للاستعانة بالسوق السوداء لتأمين العملة الصعبة".
الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن المشهداني، أوضح لموقع "الحرة"، أن توفير العملة الصعبة للإيرانيين من العراق، دفع التجار إلى سلوك طرق غير شرعية مثل "عمليات التهريب" سيما مع وجود نحو 20 معبرا بين العراق وإيران، بعضها غير خاضع للرقابة الحكومية، حسب قوله.تهريب العملة، يقول عضو مجلس النواب، سوران عمر، لموقع الحرة، يمثل مشكلة يعاني منها العراق وتجري عبر المنافذ غير الرسمية "رغم الجهود التي تبذلها السلطات للسيطرة على هذه الظاهرة".




ولفت الخبير الاقتصادي، صفوان قصي، إلى أن عدم انتماء العراق لمنظمة التجارة العالمية (WTO)، جعلها هدفا سهلا للشركات الإيرانية، التي قامت بإغراق الأسواق العراقية بمنتجاتها، موضحا أن الانتماء لهذه المنظمة "سيمكّن العراق من الدفاع عن انتاجه المحلي، والوقوف أمام الدول التي تريد اغراق الأسواق ببضائعها".
ويشير، علي مهدي، إلى طريقة أخرى اتبعتها إيران لكسب المزيد من الدولارات الأميركية، تمثلت بتصدير الغاز للعراق، لتوليد 800 ميغاواط من الكهرباء، هذه العملية وفرت كمية كبيرة من العملة الصعبة، بحسب قوله، "خاصة بعدما قامت الولايات المتحدة بإجراء استثناء للعراق، لدفع هذه المبالغ لإيران شريطة أن تستخدم لأغراض إنسانية فقط".

ولفت مهدي إلى أن إيران استفادت من "السوق السوداء" كمصدر آخر لتأمين العملة الصعبة، رغم التضيق الذي تقوم به الحكومة العراقية لمنع تهريب الأموال العراقية.
في حين ذكر كاوة عبد العزيز، أن إيران استغلت سوق العمل المحلية للحصول على العملة الصعبة، عن طريق تزويد العراق بالاف العمالة الإيرانيين بطرق رسمية وغير رسمية.
فيما أشار الخبير الاقتصادي عبدالرحمن المشهداني، أن إيران لجأت إلى تجارة السلاح لتامين العملة الصعبة، مع جماعات مسلحة موالية لها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، مضيفا أنها تعاملت مع روسيا ايضا حيث " قامت بتصدير مسيّرات إلى روسيا" بحسب قوله، ما وفر لها الملايين من الدولارات.

تجارة دولية "منظمة" وضبط للحدود

لتقليل تأثير الانيهار الاقتصادي الإيراني على الواقع العراقي، يؤكد الخبير الاقتصادي، صفوان قصي، لموقع "الحرة"، ضرورة أن ينضم العراق إلى منظمة التجارة العالمية، "للدفاع عن إنتاجها وأسواقها " والسيطرة على المنافذ الحدودية بينها وبين إيران.
ودعا قصي، المعنيين في العراق إلى رسم خريطة واضحة للاستيراد، بعقود طويلة الأجل من مناشئ معروفة، مبينا أنه بالإمكان توظيف هذا الأمر في استيراد أنواع محددة من البضائع والسلع الإيرانية بما تتوافق السوق العراقية.
فيما يرى الاقتصادي كاوة عبدالعزيز أن على العراق التوجه لتعزيز الاستثمارات المحلية والصناعة المحلية، وتوفير فرص عمل للمواطنين العراقيين والاستغناء عن العمالة الأجنبية، للحفاظ على العملة الصعبة داخل العراق.
ويرى رئيس مركز بغداد للتنمية الاقتصادية، علي مهدي، أن على السلطات العراقية التشدد على المنافذ الحدودية مع إيران، والسيطرة على الحدود الطويلة التي تجمعهما، وملاحقة التجار الذين يقومون بتهريب العملة الصعبة بطرق غير شرعية الى إيران ومحاسبتهم.

مصدر الخبر :

https://www.alhurra.com/arabic-and-i...B1%D8%A7%D9%82