كان عندنا زميل بالعمل الاستاذ المهندس علاء وكان شاب في منتهى الادب وخلوق جدا , وكان يتعامل باحترام مع الجميع لذلك كان الكل يحبه ويحترمه , وفي احد الايام اتى الاستاذ علاء الى العمل وكان من الواضح انه متضايق ومقهور جدا . في البداية رفض الكلام , لكن مع اصرارنا انا وصديقتي بدأ يحكي قصة زميلته من ايام الجامعة التي التقاها في الامس بالصدفة ,
اثناء فترة دراستهم في كلية الهندسة , كان هناك تنظيم طلابي اسمه الاتحاد الوطني لطلبة العراق او اسم شبه ذلك, هذا التنظيم الطلابي كان من احد مهامه استقطاب اكبر عدد من الطلاب واقناعهم بدخول حزب البعث الذي كان في السلطة .
وفي ذلك الوقت كان هناك زميلة لهم ,حاول الاتحاد في الجامعة اقناعها لعدة مرات في الدخول لحزب البعث لكنها كانت ترفض وبشكل قطعي الانضمام للحزب لانها كانت لا تريد التدخل في السياسة فتركوها لشأنها لفترة , الى ان في احد الايام؛ وصل للاتحاد خبر من احدهم وعلى الاغلب من طالبة قالت لهم ان هذه البنت ترفض الانضمام لانها شيوعية .
وكما هو معروف في بعض البلدان اسهل تهمة ممكن توجه لشخص وتسبب في وقوعه هو واهله في مصيبة او تهلكة كبيرة هو اتهامه بالشيوعية ,
عند ذلك استدعى رئيس الاتحاد, الطالبة الى غرفة مقر الاتحاد حيث كان الطلاب المسؤولين عن ادارة الاتحاد موجودون جميعا , وطلب منها مجددا الانضمام لحزب البعث لكن البنت رفضت مرة اخرى. عندها قال لها هل ترفضين لانك شيوعية ؟ وانكرت البنت هذا وقال انها ترفض لانها لاتريد ان تتدخل بأي حزب او بأي عمل سياسي .
عندها قال لها رئيس الاتحاد بأنه لن يسمح لها بالعودة الى منزلها الا بعد استدعاء ولي امرها , واتصل بوالد الفتاة وطلب منه الحضور الى الجامعة واستلام ابنته .
عندما ذهب الاب للجامعة وسال عن بنته وهو في اشد حالات القلق والتوتر والخوف وكان مستغرب جدا من الاستدعاء لانه يعرف ان ابنته فتاة ملتزمة واخلاقها عالية وصعب جدا ان ترتكب شيء غلط .
ولما دخل غرفة الاتحاد وجد ابنته جالسة على كرسي بنصف الغرفة والدموع في عينيها , عندها وجه رئيس الاتحاد كلامه الى والد الفتاة
قائلا : يرضيك ياعمي بنتك تكون شيوعية ؟؟
انصدم الاب واستشاط غضبا وفقد سيطرته على نفسه وحتى لم يصغي لاعتراضات بنته وانكارها وامسكها وضربها ضربا مبرحا امام الجميع الى ان انقذها الشباب من يده بصعوبة شديدة !! تصوروا المهانة والالم اللي احست به الفتاة في تلك اللحظات , وحلف الاب انه لن يسمح لها بالذهاب الى الجامعة ولا بالخروج من البيت مرة اخرى .
وبعد عدة سنين التقى الاستاذ علاء بالطالبة بمحض الصدفة ,
ولما عرفته قالت له بحرقة وبألم : بسببكم تحطمت حياتي الدراسية كل تعبي وجهدي حتى ادخل كلية الهندسة وفرحي بفوزي بدخول الكلية راح هدر , وتحطمت حياتي الاجتماعية لان والدي حبسني بالبيت لفترة طويلة وحتى صديقاتي بعد انتشار الخبر بأني قد اكون شيوعية ؛اهلهم منعوهم من الاتصال بي والكلام معي حتى لا تطال بناتهم التهمة , وحتى قريباتنا البنات كان يتجنبن التواصل معي وكأن بي مرض معدي .حطمتوني وكسرتوني بسبب خبر لم تتأكدوا حتى من صحته !!.
انا لم انضم للحزب لان والدي كان يرفض بشدة تدخلنا احنا البنات بأي نوع من السياسة حتى لو كانت بشكل صوري وطبعا لم اقول له ان الاتحاد في الجامعة ضغط علية, لاني خفت من انه قد يمنعني من الدراسة . الله لا يسامحكم .
قال الاستاذ علاء وقتها شعرت بذنب كبير وحزنت وتندمت الف مرة على انضمامي للاتحاد ولاني كنت من ضمن مجموعة جاهلة ظالمة تسببت في تحطيم حياة هذه الفتاة .
بقلمي/ عبير الياسمين