الجزء المظلم في الإنسان
في الإنسان جزء في داخله يرغب دائماً بالميل إلى تذوق الحزن واحتساء الألم وإن لم يكن هُناك ما يستوجب ذلك. الشيء الأكثر دعماً لهذا الجزء وجعل رغبته في سياق الإستحقاق هو تلك الظروف الخارجية، سواء كانت خاصة أم عامة، فالإنسان الحقيقي يحزنه ما يحزن غيره من أبناء جنسه، بل الإنسان في مراحله الأكثر إرتقاء يَحزنُ حتى لألم أي كائن حي من حيوان أو نبات، أو جماد حتى حين يفقده إذا أرتبط هذا الأخير بذكرى ما.
عدم كبت تلك الرغبة والسماح لذلك الجزء بممارسة دوره وزيادة نشاطاته هو أمر يجعل منه الجزء الأكبر في باطن النفس البشرية وبالتالي يكون هو القائد، ونتائج القادة الذين يميلون إلى الألم معروفة حتى على المستوى المادي، بل خاصة في ذلك المستوى. إذاً… علينا -وبأي طريقة- عدم السماح لذلك الجزء بالنمو بهذا الشكل الذي يحوَّل الإنسان إلى "زومبي" لو صح التشبيه.
كيف؟
أي أرض جرداء بإمكاننا تحويلها إلى واحة خضراء بالجهد والماء والمثابرة والصبر.. لا أكثر من ذلك ولا أقل. مع الأحتفاظ بالترجمة العملية لكل كلمة في مشوار الواحة الخضراء. لا بالمستوى المزيف من التنمية البشرية (أنت تستطيع) أو (لا شيء مستحيل) بل بمستوى (أعقل وتوَّكل) و مستوى (من كان مع الله كان الله معه). بهذه البساطة وبهذه الصعوبة في نفس الوقت.
ما أسباب كتابة هذا المقال ؟
لعل الأمر واضح لمن يؤمن بالعدالة والمساواة. فمثلما يحاول الظلام أحتلال كل شيء حتى القلوب، لابد من وجود من يسعى لنشر النور كذلك، وكلا على طريقته، وهنا يأتي دور الكاتب، فهو يملك الطريقة الأكثر فعالية في هذا المجال، فأنت حين ترى كاتباً أحتل اليأس أو الإنكسار كتاباته بسبب ظرف مر به أو معاناة قتلت طفولته أو بسبب فقد مادي أو معنوي، أعلم أنه يسيء للقاريء بعدما أساء لنفسه، ويدعم ذلك الجزء -المظلم- في داخله، وبالتالي هو يهدم الأبجدية ولا يبنيها في نفوس الآخرين -للأسف.
النبتة الشجاعة
رأيت مرة صورة لنبته صغيرة وقد فلقت الإسفلت لتنمو! نالت تلك الصورة وقتها إعجاب الكثيرين، لماذا؟ لأنها قاومت سواد الأسفلت وقوته التي تحاول طمس الأمل فيها ومنعها من رؤية النور، فمثلما هناك جزء في داخل الإنسان يبحث عن الحزن والألم - كما جاء في بداية المقال - هناك أيضاً جزء قباله يبحث عن السعادة والأمل، وعلى كل إنسان أن يسعى من خلال مهارته وقدرته واختصاصه أن يحاول صناعة تلك الفرصة -فلق الأسفلت- له ولغيره، حيثما استطاع إلى ذلك سبيلا . والله أعلم.
كتبه الفقير جواد الحيداوي الزهيراوي