هل نظرتم -سادة وسيدات- في ألوان البشر؟ كيف حصل هذا التنوع من الأسود والأبيض والأحمر إلى الأشقر وغير ذلك من ألوان البشر؟ هل هذا التنوع نعمة أم نقمة؟
لا داعي لكلام غير كلام الله سبحانه وتعالى الذي يتكلم عن خلق الإنسان فيقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ}؛ الآية تشير إلى بداية وجود جميع البشر من آدم وأبنائه وأنهم خلقوا جميعًا من التراب. ثم استمر تناسل الإنسان وتكاثره بوساطة تركيب نطفة الذكر وبويضة الأنثى في الرحم بما نعرفه عن بيولوجيا الإنسان. في مكان آخر من القرآن الكريم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}؛ إشارة أخرى إلى خلق الإنسان من التراب!
ما دام كلنا خلقنا من تراب كيف اختلفنا في الأشكال والألوان؟ عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- لما سئل عن آدم لم سمي آدم: لأنه خلق من طين الأرض وأديمهَا. قال: فآدم خلق من طين كله أو طين واحد؟ قال: بل من الطين كله، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضًا، وكانوا على صورة واحدة. قال: فلهم في الدنيا مثل؟ قال: التراب فيه أبيض، وفيه أخضر، وفيه أشقر، وفيه أغبر، وفيه أحمر، وفيه أزرق، وفيه عذب، وفيه ملح، وفيه خشن، وفيه لين، وفيه أصهب. فلذلك صار الناس فيهم لين، وفيهم خشن، وفيهم أبيض، وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التراب.
لسنا بحاجة إلى التذكير بنعمة اختلاف البشر لكن نجد أنفسنا بحاجة إلى تذكير من يمقت الاختلاف ويعده أمرًا يستوجب ويستدعي العنصرية. ماذا لو كنا لونًا واحدًا؟ طولًا ووزنًا واحدًا؟ لغةً واحدة؟ وغير ذلك من التنوع، هل ذلك أجمل؟ بالطبع لا، فإن جمال الكون في تنوعه واختلافه. اختلاف وتنوع ذكره الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدة طويلة عنوانها "الطين"، قال في بعضها:
أنت مثلي يبشّ وجهكَ للنعمى .. وفي حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ ودمعكَ شهد؟ .. وبكائي ذلّ ونوحكَ سؤدد؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه؟ .. وابتسامتك اللآلي الخرّد؟
فلك واحد يظلّ كلينا .. حار طرفي به وطرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا .. وعلى الكوخ والبناء الموطّد
يرمي القرآن الكريم جميع الامتيازات المادية في سلة المهملات، ويُبقي أمرًا واحدًا يقوم عليه التفاضل بين البشر، ذلك هو الخوف من الله والتقوى فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وهكذا لا يرى الدين الإسلامي لأحد فضيلة على آخر إلا فضيلة التقوى فيقول رسول الله -صلى الله عليه وآله- في خطبة الوداع: "يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".