«تراب».. عمارة مصر المنسية في كتاب جديد
على مر العصور، لا تزال العمارة المصرية تحتفظ برونقها الخاص، سحرها الذي يميزها عن غيرها، فضواحي وربوع مصر من الشمال إلى الجنوب تزخر بالكنوز المعمارية، بعضها ذات تصميم معماري أوروبي والآخر بتصميم من التراث الإسلامي بالمشربيات والنوافذ المميزة، ويتناغم الجميع ويعطي لمصر سحرها الخاص، لكنها كغيرها بدأت تفقد بريقها بمرور السنوات.
وخلال الفترة من 1860 قبل سنوات قليلة من بداية حكم الخديوي إسماعيل وحتى 1940 السنوات الأولى من حكم آخر ملوك مصر الملك فاروق، شهدت القاهرة ومدن كبيرة أخرى في مصر طفرة إنشائية أدت إلى بناء قصور غير تقليدية ومباني فخمة عديدة مزجت بين العديد من الأساليب المعمارية، مثل عمارة الفنون الجميلة ” Beaux-Arts”، بطرازها الكلاسيكي الفرنسي و”Art Deco” فن الزخارف التي تأثرت بمواد التصميم المحلية، ولكن بعد مرور سنوات عديدة عانت تلك القصور والمباني من الإهمال وأصبحت غير مأهولة بالسكان.
العمارة المصرية
هذا ما دفع المصورة الروسية زينيا نيكولسكايا لتبدأ رحلتها في كل المدن المصرية وعلى رأسها القاهرة، لتسجل بعدستها المباني المهجورة في حوالي ثلاثين موقعا في المدن المصرية، بدءا من العاصمة لتجوب مصر شمالا وجنوب من الإسكندرية وبورسعيد وحتى الأقصر والمنيا منذ عام 2006، حين بدأت مشروعها.
وخرج الإصدار الأول من كتاب “تراب: العمارة المصرية المنسية”، متضمنا مجموعة فريدة هذه الصور ونفذ بعد إصداره عام 2012 بفترة وجيزة ليصبح من الكتب النادرة لهواة جمع الكتب، وتعيد المصورة إعداد طبعة جديدة موسعة من الكتاب صدرت مؤخرا عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة بعنوان “DUST: Egypt’s Forgotten Architecture”، أو “تراب: العمارة المصرية المنسية”.
تتضمن هذه الطبعة الجديدة والموسعة صورًا من الإصدار الأول للكتاب بالإضافة إلى صور إضافية جديدة التقطتها نيكولسكايا بين عامي 2013 و2021، عن القصور الملكية والمباني الكبرى المهجورة في مصر بالإضافة إلى مقالات مصاحبة بقلم كلا من هبة فريد المالكة المشاركة لجاليري “تنتيرا” وعمر نجاتي والمهندس المعماري والمخطط العمراني المشارك في منصة بحث في مجال التصميم الحضاري.
رحلة من 2006
تقول نيكولسكايا: “يستكشف الكتاب حالة البنايات المعمارية المهجورة في مصر وأهميتها، جامعا بين ازدواجية متشابكة عن الغبار أو التراب باعتباره المادة التي تغلف المدينة والتي من خلالها يتم تتبع مرور الوقت على الأشياء الحضارية – وكذلك كاستعارة عن تسجيل الزمان لهذه التغييرات وتشكيله لذكريات الماضي والوقت الحالي”.
وصلت نيكولسكايا لمصر عام 2003 للمرة الأولى للعمل كمصور في موقع أثري في ممفيس، لتبدأ في الشعور بجاذبية تجاه التراث المصري، لتبدأ فكرة كتابها “Dust” في 2006 في قصر سراج الدين والذي وصفته في النسخة الأولى من الكتاب باسم “الجمال النائم بأسقفه الزجاجية والمكتبة والصالون وغرفة الطعام والسلم الرخامي والكريستال والمرايات وغيرها من التفاصيل الآسرة.
وفي يناير 2006، بدأت عدة رحلات إلى مصر، كما أتبعتها بالانتقال إلى القاهرة في عام 2010 – لجمع التفاصيل من المباني التي تذكرها بالعواصم الأوروبية في مصر، خاصة في القاهرة، بما في ذلك معلومات عن تاريخهم والحالة الحالية، كانت تستكشف هذه المباني من أجل الحصول على المطلوب لتصويرها، تضيف: “بدافع الفضول بدأت، لكنني أدركت أن هذه المباني كانت في خطر كبير وإحدى طرق الحفاظ عليها من خلال التوثيق المكتوب والتصوير”.
استهدفت من الكتاب أن يكون سجلا صادقا عن تلك الممتلكات والتراث والتاريخ، ورغم تعرض المشروع لانتقاد بسبب توثيقه لسوء حالة بعض المباني، لكنها استمرت بالتركيز خاصة على اللقطات الداخلية والديكورات وليست اللقطات الخارجية للمبنى، لتختار صورة حجرة دراسة الأمير سعيد في قصر حليم بالقاهرة التي أصبحت فيما بعد فصلا دراسيا غلافا للكتاب.
من الإسكندرية بقصورها ومنها قصر عمر طوسون، والقاهرة بقصورها الفخمة ومبانيها المتعددة والتي تحولت بمرور الزمن إلى مبان لأغراض أخرى فمنها ما تحول إلى مدارس وأخرى مقار متعددة الاستخدام، يقدم الكتاب وجبة فنية دسمة لمباني تحمل الكثير من الحكايات والتحولات عبر الزمن.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلا الليل
