متى ظهرت المسيرات ولماذا تربعت على عرش الصناعة العسكرية؟

هناك حالات محددة تتيح استخدام تلك الطائرات المسلحة فوق أجواء دولة أخرى ضمن الحق في الدفاع عن النفس


استمر تطوير واختبار الطائرات من دون طيار خلال فترة ما بين الحربين العالميتين (أ ف ب)
ملخص
-تتمتع المسيرات بقدرتها على تنفيذ مهمات عدة من تصوير وتوصيل طرود وقتل إرهابيين وغيرها وزاد الطلب عليها بطريقة استثنائية في كل أصقاع العالم.
-تستخدم الطائرات من دون طيار استراتيجياً وعسكرياً بثلاث طرق مختلفة، أولاً حين تهاجم القوات البرية أو تتعرض للهجوم يتم استدعاء هذه الطائرات لاستخدام القنابل والصواريخ مثل أي طائرة عسكرية أخرى، وثانياً للقيام بدوريات في سماء بلدان معينة لمراقبة أنماط الحياة على مدى 24 ساعة في اليوم، وأخيراً في مهمات مخططة لقتل المشتبه فيهم الإرهابيين، في ما أصبح يعرف باسم "القتل المستهدف" ضمن "الحرب على الإرهاب".
أصبحت الطائرات من دون طيار شائعة بصورة متزايدة خلال الأعوام الأخيرة، إذ تراوح تطبيقاتها ما بين التصوير الجوي وتصوير الفيديو وتوصيل الطرود وحتى إجراء عمليات البحث والإنقاذ والضربات العسكرية، مما زاد من الاهتمام بها والطلب عليها بطريقة استثنائية في كل أصقاع العالم.
وبينما استطاعت هذه الطائرات فرض نفسها بقوة في المعادلات المدنية والعسكرية، تُطرح تساؤلات كثيرة عن بداياتها وكيفية عملها إلى جانب أسئلة جوهرية عن تدريبها وتعامل القوانين الدولية معها في الصراعات العسكرية.
بداياتها
طورت بريطانيا والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى أول مركبات من دون طيار في العالم، فاختبرت بريطانيا طائرة "أيريال تارغت" الصغيرة والتي يتم التحكم فيها عن بعد للمرة الأولى في مارس (آذار) 1917، بينما حلقت طائرات "كيتيرينغ باغ" الأميركية للمرة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) 1918، وعلى رغم أن الاثنتين أظهرتا نتائج واعدة في اختبارات الطيران، إلا أنه لم يتم استخدام أي منهما عملياً أثناء الحرب.
خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، استمر تطوير واختبار المسيرات، وعام 1935 أنتجت بريطانيا عدداً من الطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد لأغراض التدريب، فيما نُشرت طائرات الاستطلاع من دون طيار للمرة الأولى على نطاق واسع في حرب فيتنام عام 1965 وبدأت الطائرات من دون طيار حينها تستخدم في مجموعة من الأدوار الجديدة، مثل العمل كطُعم في القتال وإطلاق الصواريخ ضد أهداف ثابتة وإسقاط المنشورات للعمليات النفسية.
بعد حرب فيتنام، بدأت دول أخرى خارج بريطانيا والولايات المتحدة باستكشاف تكنولوجيا الطائرات من دون طيار، وأضحت النماذج الجديدة أكثر تطوراً مع تحسين القدرة على التحمل والقدرة على الحفاظ على ارتفاع أكبر. وخلال الأعوام الأخيرة طورت نماذج تستخدم تكنولوجيا مثل الطاقة الشمسية لمعالجة مشكلة تزويد الرحلات الجوية الأطول بالوقود.

تستخدم الطائرات من دون طيار أجهزة استشعار لضمان طيران مستقر وملاحة دقيقة (أ ف ب)
كيف تعمل؟
يدفع مزيج من المكونات وأجهزة الاستشعار الطائرة من دون طيار إلى التحليق، وتشمل المكونات الأساسية الإطار والمحركات والمراوح والبطاريات، ويوفر الإطار البنية للطائرة من دون طيار، وتعمل المحركات الصغيرة على تشغيل المراوح لتوليد الرفع والدفع.
تزود البطاريات المحركات والمكونات الإلكترونية الأخرى بالطاقة، وتحوي بعض الطائرات من دون طيار مكونات إضافية مثل الأقفاص الواقية التي تمكنها من الطيران في المناطق الضيقة حيث تكون احتمالية الاصطدام أعلى.
داخل كل طائرة من دون طيار توجد أنظمة تعرف باسم "وحدات التحكم الإلكترونية في السرعة" (ECS) التي تنظم سرعة المحركات وتتحكم في سرعة دوران كل مروحة وتفسر الإشارات من وحدة التحكم في الطيران لضبط سرعات المحرك، مما يساعد في الحفاظ على الاستقرار والتحكم.
وضعيات الطيران
يمكن للطائرات من دون طيار التجارية أو بعض العسكرية منها التحليق في أوضاع طيران مختلفة، بما في ذلك الوضع اليدوي وتثبيت الارتفاع وتثبيت نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والعودة إلى نقطة الإقلاع. في الوضع اليدوي، يتمتع الطيار بالتحكم الكامل في حركة الطائرة إما من خلال جهاز تحكم عن بعد مخصص أو تطبيق على جهاز لوحي أو هاتف ذكي.
في وضع تثبيت الارتفاع، تستخدم الطائرة من دون طيار أجهزة استشعار للحفاظ على علوّ معين فوق الأرض. أما في وضع تثبيت نظام تحديد المواقع العالمي، فتستخدم الطائرة نظام تحديد المواقع العالمي للحفاظ على موقع معين. وفي ما يتعلق بوضعية العودة إلى نقطة الإقلاع، تعود الطائرة من دون طيار تلقائياً لموقع إقلاعها.
وتستخدم الطائرات من دون طيار أجهزة استشعار لضمان طيران مستقر وملاحة دقيقة، وتتضمن هذه المستشعرات مقاييس التسارع وجيروسكوبات وتقنية نظام تحديد المواقع العالمي، وبذلك يوفر نظام تحديد المواقع العالمي معلومات الموقع للطائرة، وتساعد هذه المستشعرات في تثبيت الطائرة أثناء الطيران وضمان الملاحة الدقيقة.

من الناحية القانونية لا يمكنها التحليق فوق المجال الجوي السيادي لدولة ما إلا بموافقة واضحة من هذه الدولة (أ ف ب)
سرعتها القصوى
غالباً ما تكون السرعة القصوى للطائرات من دون طيار مقيدة باللوائح القانونية أكثر من القيود التكنولوجية، وهكذا عادة ما تتمتع الطائرات من دون طيار الاستهلاكية بسرعات عالية جداً، فتراوح السرعة الأفقية القصوى ما بين 16 و21 متراً في الثانية.
وتكون سرعات الصعود والهبوط أبطأ عادة في معظم الطائرات من دون طيار، إذ يراوح نطاق سرعتها ما بين خمسة و10 أمتار في الثانية.
ويمكن للطائرات من دون طيار الاحترافية تحقيق سرعات تصل إلى 64 أو حتى 113 كيلومتراً في الساعة، كما يمكن للمخصصة منها للسباقات أو العمل العسكري أن تصل إلى 160 كيلومتراً في الساعة.
مدى الطيران
من الناحية الفنية، تتمتع الطائرات من دون طيار بالقدرة على الطيران لمسافات مذهلة اعتماداً على نوعها، فمثلاً صممت الطائرات من دون طيار العسكرية لمهمات طويلة المدى ويمكنها الطيران لمسافات أبعد بكثير من الطائرات التجارية. ومن الأمثلة التي يمكننا ذكرها طائرة "أم كيو-9 ريبر" التي تحلق لمسافة تصل إلى 1850 كيلومتراً باستخدام الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. أما الطائرات من دون طيار التكتيكية التي هي أصغر حجماً، فعادة ما يكون مداها من 32 إلى 80 كيلومتراً اعتماداً على مهمتها وتصميمها.
في الموازاة، تتمتع طائرات الشرطة من دون طيار المستخدمة للمراقبة والسلامة العامة بمدى يراوح ما بين ثمانية و15 كيلومتراً، بينما يراوح مدى الطائرات من دون طيار المستخدمة في عمليات التوصيل مثل تلك التي تديرها "أمازون" و"زيبلاين" ما بين 16 و80 كيلومتراً، والتجارية التي تُستخدم غالباً للتطبيقات الصناعية مثل رسم الخرائط أو عمليات التفتيش أو صناعة الأفلام بمدى يصل إلى سبعة كيلومترات.

صممت الطائرات من دون طيار العسكرية لمهمات طويلة المدى ويمكنها الطيران لمسافات أبعد بكثير من الطائرات التجارية (أ ف ب)
كيف يتم اختبارها وتدريبها؟
يستلزم الاستخدام الناجح للطائرات من دون طيار، خصوصاً العسكرية منها برامج تدريب شاملة وفاعلية لتقوم بمهماتها على أكمل وجه وضمان جودتها قبل زجها في مسرح العمليات. وتتضمن برامج التدريب امتلاك المشغلين المهارات والمعرفة اللازمة لتشغيل الطائرات من دون طيار بأمان وتنفيذ المهمات بصورة فاعلة والتزام القواعد واللوائح الصارمة.
ويشكل التدريب على الطائرات من دون طيار تحديات فريدة بسبب تعقيد التكنولوجيا المعنية، لا سيما أنها مزوّدة بأجهزة استشعار متقدمة وأنظمة اتصالات وضوابط طيران، مما يتطلب من المشغلين امتلاك المعرفة والمهارات المتخصصة. إضافة إلى ذلك، يجب أن تعالج برامج التدريب عوامل مثل سلامة الطيران ولوائح المجال الجوي والاعتبارات الأخلاقية المرتبطة بعمليات هذه الطائرات.
ويتيح التدريب القائم على المحاكاة للمشغلين اكتساب الخبرة العملية في طيران الطائرات من دون طيار من خلال بيئات افتراضية تحاكي سيناريوهات العالم الحقيقي، ويوفر هذا النهج طريقة آمنة وفاعلة من ناحية الكلفة لتطوير المهارات الأساسية كالتحكم في الطيران وتخطيط المهمة والوعي بالموقف. ومن خلال التدريب في "بيئات محاكاة"، يمكن للمشغلين تحسين تقنياتهم وقدراتهم على اتخاذ القرار من دون المخاطرة بإتلاف المعدات باهظة الثمن أو تعريض الأرواح للخطر.
ويوفر التدريب في الفصول الدراسية تعليمات نظرية حول أنظمة الطائرات من دون طيار والإجراءات التشغيلية وبروتوكولات السلامة، ويقدم هذا النهج التقليدي فهماً أساسياً لهذه الطائرات، وبما أنه يفتقر إلى الخبرة العملية التي يوفرها التدريب القائم على المحاكاة، فغالباً ما يتم استكمال جلسات الفصول الدراسية بتمارين وتقييمات عملية لتعزيز المعرفة وضمان تجربة تدريب شاملة.


منهجيات التدريب الجديدة
وشهدت الأعوام الأخيرة تقدماً كبيراً في منهجيات تدريب الطائرات من دون طيار، مدفوعة بالتقدم التكنولوجي الهائل، إذ ظهر تدريب الواقع الافتراضي (VR)كعامل تغيير في تدريب هذه الطائرات. ومن خلال غمر المتدربين ببيئات محاكاة واقعية، يمكّنهم تدريب الواقع الافتراضي من تجربة الطيران بالطائرات من دون طيار وتنفيذ المهمات بطريقة تفاعلية وجذابة للغاية، كما يمكن للمتدربين تطوير وصقل مهاراتهم في بيئة خالية من الأخطار وتحسين وعيهم بالمواقف وقدرتهم على اتخاذ القرار.
وهناك أيضاً ما يُصطلح على تسميته "التدريب باستخدام الواقع المعزز" الذي يجمع بين العناصر الافتراضية والعالم الحقيقي، ويضع المعلومات الرقمية فوق البيئة المادية. وتوفر أنظمة التدريب التي تدعم الواقع المعزز للمتدربين بيانات وإرشادات في الوقت الفعلي، فتعزز بذلك قدرتهم على تشغيل الطائرات من دون طيار بصورة فاعلة في المواقف الديناميكية والمعقدة عبر عرض معلومات حيوية مثل معلومات الطيران ومواقع الهدف وبيانات المستشعر.
وجهة نظر القانون الدولي
تستخدم الطائرات من دون طيار استراتيجياً وعسكرياً بثلاث طرق مختلفة، أولاً حين تهاجم القوات البرية أو تتعرض للهجوم يتم استدعاء هذه الطائرات لاستخدام القنابل والصواريخ مثل أي طائرة عسكرية أخرى، وثانياً للقيام بدوريات في سماء بلدان معينة لمراقبة أنماط الحياة على مدى 24 ساعة في اليوم، وأخيراً في مهمات مخططة لقتل المشتبه فيهم الإرهابيين، في ما أصبح يعرف باسم "القتل المستهدف" ضمن "الحرب على الإرهاب".
ومن الناحية القانونية، لا يمكن للطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد، سواء كانت مدنية أو عسكرية، أن تحلق فوق المجال الجوي السيادي لدولة ما إلا بموافقة واضحة وصريحة من هذه الدولة، لكن هناك حالات محددة يمكن فيها استخدام الطائرات المسلحة من دون طيار فوق أجواء دولة أخرى ضمن الحق في الدفاع عن النفس، إذا كانت شروط هذا الحق موجودة، أي عند وجود استجابة فورية ومتناسبة وضرورية لهجوم مسلح سابق أو وشيك يمكن نسبه إلى دولة معينة.
وإذا استخدمت الطائرات من دون طيار في سياق الصراع العسكري، فيلزم القانون الدولي مشغليها احترام مبدأ التمييز والقواعد الأخرى لقانون الحرب. وفي هذا الصدد، لا يعتبر خبراء القانون الدولي الطائرات من دون طيار المقاتلة سلاحاً "عشوائياً" أو يتسبب بالضرورة في "ضرر مفرط أو معاناة غير ضرورية" (المادة 36 من البروتوكول الإضافي الأول لـ"اتفاقيات جنيف")، بالتالي من الصعب وصفها بأنها سلاح غير قانوني وفقاً للقانون الإنساني الدولي.
ومع ذلك، يلفت قانون حقوق الإنسان الدولي إلى أن إطلاق النار على الأفراد لمجرد الاشتباه في ارتكابهم جريمة في الماضي أو احتمال ارتكابهم جريمة في المستقبل من دون وجود أدلة دامغة، فعل غير قانوني وانتهاك للحق في الحياة وفي وجود محاكمة عادلة.