ارتفاع درجة حرارة الأرض ليس السبب الحقيقي وراء ظهور عصر الديناصورات
شهدت الأرض حدثاً تاريخياً تسبب بانقراض ثلاثة أرباع الكائنات التي كانت تعيش على سطحها منذ أكثر من 200 مليون سنة مضت
رواسب حمراء في المغرب تتصل بالانقراض الذي شهده "العصر الترياسي" وقضى على ثلاثة أرباع الكائنات البحرية والبرية الحية منذ أكثر من 200 مليون سنة مضت، الآن يقول باحثون في "جامعة كولومبيا" إن أسباب الحدث مختلفة عما كان يعتقد سابقاً. (بول أولسن/ مرصد لامونت دوهرتي للأرض)
ملخص
أسباب ظهور الديناصورات لا تزال مبهمة على رغم أن دراسة علمية جديدة تذهب إلى أن الانخفاض المفاجئ في درجات الحرارة قد يكون وراء بدء عصرها
كان يعتقد أن حدث الانقراض الجماعي الذي أدى إلى ظهور الديناصورات للمرة الأولى على سطح الأرض قبل أكثر من 200 مليون سنة مضت نجم عن ارتفاع كبير في درجة حرارة الكوكب، ولكن الآن يذهب علماء إلى في "جامعة كولومبيا" الأميركية إلى أن انخفاضاً شديداً ومفاجئاً في درجات الحرارة ربما يكون السبب الحقيقي.
طالما كانت الأسباب وراء الانقراض الجماعي الذي وقع في نهاية العصر الترياسي Triassic Period، وقضى على ثلاثة أرباع الأنواع الحية التي كانت تعيش على الأرض آنذاك، محل نقاش طويل في أوساط الباحثين. وربط علماء هذا الانقراض بحدوث انفجارات بركانية ضخمة قسمت بانجيا Pangaea، القارة العملاقة التي كانت مكونة من جميع قارات الأرض [قبل أن تنفصل لتنتج منها القارات المعروفة اليوم]. وتسببت تلك الانفجارات في إطلاق رماد وحطام بركاني في الهواء وعلى اليابسة، إضافة إلى ثوران حمم بركانية مهولة غطت مساحات شاسعة تصل إلى ملايين الأميال، وذلك على مدى فترة زمنية طويلة يعتقد أنها امتدت لأكثر من 600 ألف عام.
في السابق، قال باحثون إن هذا الحدث الكارثي، الذي يمثل بداية "العصر الجوراسي" Jurassic Period، نتج من إطلاق ثاني أكسيد الكربون أثناء الانفجارات البركانية، مما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب وزيادة حموضة المياه في المحيطات [نتيجة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون]. ولكن بحثاً جديداً يشير إلى أن مدة هذه الانفجارات كانت أقصر كثيراً مما كان يعتقد سابقاً، إذ اقتصرت على عقود من الزمن، ولم تمتد على مئات الآلاف من السنين.
تحدث في هذا الشأن دينيس كينت، الباحث الرئيس في الدراسة وعالم بحوث مساعد في "مرصد لامونت دوهرتي للأرض" التابع لـ"كلية كولومبيا للمناخ"، فقال "يستغرق ثاني أكسيد الكربون وقتاً طويلاً قبل أن يتراكم ويتسبب في ارتفاع درجات الحرارة، ولكن تأثير المركبات الكيماوية الكبريتات [الناجمة عن الانفجارات البركانية] يكون سريعاً جداً. يقودنا ذلك إلى عالم يسعنا نحن البشر أن نفهمه. وقعت هذه الأحداث خلال فترة زمنية [قصيرة] قد يعيشها إنسان [بمعنى أنها كانت سريعة نسبياً مقارنة مع الأحداث التي تمتد لملايين السنين].
ويرد في النتائج، التي نشرت يوم الإثنين في مجلة "بناس" PNAS (وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم)، أن جزيئات الكبريتات التي تعمل كمواد عاكسة تشتت أشعة الشمس بعيداً من سطح الأرض، انطلقت في الغلاف الجوي أثناء الانفجارات البركانية، مما أدى إلى تبريد الكوكب وتجميد غالبية الكائنات التي تعيش عليه.
عندما حدثت الانفجارات، أطلقت كمية كبيرة من الكبريتات تسببت في حجب أشعة الشمس إلى حد كبير، فانخفضت درجات الحرارة. في الحقيقة، كانت فصول الشتاء البركانية هذه [مصطلح يشير إلى تأثيرات جسيمة تحصل على الكرة الأرضية تتمثل بانخفاض كبير في درجات الحرارة بسبب الرماد البركاني وقطرات حمض الكبريتيد فتتسبب في حجب أشعة الشمس عن الأرض]، التي استمرت سنوات، "مدمرة".
ويقول الباحثون إن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للكوكب قبل "العصر الجوراسي" كانت فعلاً ثلاثة أضعاف مقارنة مع مستوياتها اليوم، ويرجح أنها أسهمت في الانقراض الجماعي، وفي نهاية المطاف كانت بمثابة العامل الأخير الذي أدى إلى الانقراض.
أحد أسباب هذا الانقراض أيضاً انفجارات شهدتها "مقاطعة ماغمتيك وسط المحيط الأطلسي"، علماً أنها منطقة كبيرة تتكون من صخور الصهارة، ومعروفة باسم "كامب" CAMP. تحت طبقات الحمم البركانية الناتجة من هذه الانفجارات، اكتشف علماء الآثار حفريات تعود لـ"العصر الترياسي"، من بينها حفريات لسحالي تعيش في الأشجار وتتميز بمظهر غريب وبرمائيات مسطحة الرأس.
في بحث سابق في منطقة "كامب"، حاول كينت وآخرون تحديد دليل يشير إلى وجود المجال المغناطيسي للأرض، الذي يتولد عن حركة الحديد المنصهر في نواة الأرض ويحمي الكوكب من الإشعاع الكوني والنشاط الشمسي. يبقى هذا المجال في حال تغير مستمرة، إذ تتزايد قوته وتتضاءل بمرور الوقت. يمكن أن يتسبب ذلك في تحولات في القطبين المغناطيسيين وحتى قلب موضعيهما [مما يعني أن موقع القطب الشمالي يأخذ مكان القطب الجنوبي والعكس صحيح، وتعرف هذه الظاهرة بـ"عكس القطبين المغناطيسيين].
صخور رملية تصطف على الخط الساحلي لخليج فندي في مقاطعة نوفا سكوتيا الكندية (غيتي، آي ستوك)
يبقى الانقلاب الكامل للقطبين حدثاً عشوائياً ويعتقد عموماً أنه يحدث على مدى مئات إلى آلاف السنين. عندما تتجمد الحمم البركانية، فإنها تحتفظ غالباً ببصمة للحقل المغناطيسي للأرض كما كان موجوداً عندما تصلبت الحمم البركانية [بمعنى أنها ستظهر الاتجاه الذي كان يشير إليه الحقل المغناطيسي آنذاك]. ولما كان القطب المغناطيسي لا يتماشى مع محور الأرض، فإن الجزيئات المغناطيسية في الانفجارات التي تجمدت خلال عقود من الزمن ستشير في الاتجاه نفسه، أما تلك التي تصلبت على مدى آلاف السنين فستشير إلى اتجاهات مختلفة.
لاحظ كينت وجود تكرار منتظم في اتجاه المجال المغناطيسي [بمعنى أنه انقلب بانتظام على مدى فترة زمنية معينة] في الرواسب الصخرية الموجودة مباشرة أسفل الثورات البركانية الأولية التي شهدتها "كامب". الفرضية السابقة التي كانت سائدة حول تكوين هذه الرواسب الضخمة آنذاك تقول إنها تشكلت [في عملية جيولوجية بطيئة ومعقدة] على مدى ملايين السنين.
ولكن أخيراً، وباستخدام بيانات مستقاة من تلك الطبقات الصخرية في جبال المغرب، وفي خليج فندي في مقاطعة نوفا سكوتيا الكندية، وحوض نيوارك في نيوجيرسي الأميركية، حدد باحثو الدراسة الجديدة خمسة انفجارات للحمم البركانية امتدت عبر 40 ألف عام تقريباً. وتوصلوا إلى أن هذه الصخور تحتوي على جزيئات مغناطيسية متراصفة في اتجاه واحد، مما يشير إلى أن الانفجارات البركانية حدثت في أقل من قرن قبل أن يتغير موقع القطب المغناطيسي للأرض.
"الأحداث الصغيرة المنتشرة على مدى [عشرات الآلاف من السنين] تنتج تأثيراً أقل بأشواط مقارنة مع الحجم الإجمالي نفسه للبراكين التي تركز وقوعها في فترة زمنية أقل من قرن"، قال الباحث المشارك في الدراسة بول أولسن، عالم الحفريات في لامونت دوهرتي، مضيفاً أن خلاصة المسألة هنا مفادها بأن الحمم البركانية في منطقة "كامب" تمثل أحداثاً مركزة [في فترة زمنية قصيرة] بصورة استثنائية [فتركت تأثيرات أكبر في النظم الإيكولوجية والأرض.