سيدة تحوك قطعة من الكروشيه
مَن منّا لم يتوقف أمام جدته أو والدته او حتى أحد قريباته يشاهدها تجلس على مِقعد وثير بجانبها سلة ممتلئة بكرات الخيط الملونة، وهي تُمسك إبرةً ذات سنٍ معقوف بثقة تُدخلها بثبات في الخيط وتُخرجها غرزةً معقودةً بمهارة عجيبة وحرفية مدهشة، فتُحيل خيوط الغزل من شعيرات منفردة إلى نسيج متماسك بنمط فني معقد وغرز دقيقة، مَن منّا لم يشاهد تجميعات وتصميمات بمختلف الأشكال والألوان لبلوفرات ومفارش وجوارب صنعتها الجدات بدقة غريبة ممزوجة باستمتاع ولذة من الألياف أو الخيوط تتشابك وتتداخل وتتعانق مع بعضها لتشكل منسوجاتٍ فنيةً رائعةً من خلال فن الكروشيه، هذا الفن الخالد الذي لم تقهره تقلبات الزمن ولم تطله يد العصرنة، فصمد أمام اختبار البقاء، كحرفة محبوبة وهواية مرغوبة وإبداع فني حقيقي استحوذ على قلوب الكثيرين.. بالسياق التالي "سيدتي" تُخبرك عن التاريخ الغني للكروشيه، وتدعوكِ لاستكشاف تقنيات مختلفة تكشف الاحتمالات الإبداعية اللامتناهية التي يوفرها فن الكروشيه.
الأصول الحقيقية لفن الكروشيه يكتنفها الغموض
الكروشيه فن إبداعي بداياته غير موثقة إلى حد كبير- مصدر الصورة freepik
وفقاً لموقع dailyartmagazine-com، يكتنف الغموض الأصول الحقيقية للكروشيه، فتظل بداياته غير موثقة إلى حد كبير. وتُشير بعض المصادر إلى أن الكروشيه نشأ في شبه الجزيرة العربية، حيث انتشر على طول طرق التجارة العربية إلى أجزاء أخرى من البحر الأبيض المتوسط. ويدعي آخرون أن الكروشيه له جذور في قبائل أمريكا الجنوبية الأصلية. كما تُشير نظرية أخرى إلى أن الكروشيه تطور من تقنية تطريز صينية انتشرت إلى تركيا والهند وبلاد فارس وشمال أفريقيا. ومع ذلك، فإن تطور الكروشيه وشعبيته ظلت على نطاق واسع، كما نعرفه اليوم، حيث تُعزى إلى المهاجرين الأوروبيين إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن التاسع عشر، وقد اكتسب شعبيةً كبيرةً كوسيلة لإنشاء عناصر جميلة وعملية باستخدام إبرة خطاف وخيوط بسيطة.
أنواع غرز الكروشيه
سيدة تحوك قطعة من الكروشيه هناك العديد من الغرز التي تُضفي جمالاً على النسيج من الكروشيه
تقول الحاجة روحية عبدالرحمن أنيس – ربة منزل وأحد مبدعات الأشغال اليدوية لسيدتي: الكروشيه حرفة متعددة الاستخدامات متنوعة الأنماط توفر إمكانيات لا حصر لها ومن أهم أنماطها:
- الكروشيه المفرد.
- الكروشيه المزدوج.
- الكروشيه الملفوف، وهو من التقنيات الأكثر تعقيداً.
- الكروشيه التونسي.
تؤكد الحاجة روحية أن هناك دائماً شيئاً جديداً يمكن تعلمه في الكروشيه، فكل غرزة لها نسيجها الفريد ويمكن دمجها لإنشاء أنماط وتصميمات معقدة، لافتة أن جمال الكروشيه يكمن في قدرته على تحويل خيط بسيط من الغزل إلى عمل فني نسيجي متقن وإبداعي، ومن أنواع غرز الكروشيه الأساسية:
- الغرزة السلسلة.
- الغرزة المنفردة.
- الغرزة الثلاثية، وهي أصعب الغرز في فن الكروشيه.
- الغرزة النصف مزدوجة.
- الغرزة المزدوجة.
- الغرزة المنزلقة.
تقول الحاجة روحية: الكروشيه خيار شائع لصنع الشالات المزركشة والمفارش وغيرها من العناصر الزخرفية والعناصر العملية مثل البطانيات والقبعات والأوشحة والحقائب والملابس مثل السترات الكلاسيكية والقمصان والجوارب والأحذية، والمفارش والستائر وأغطية الأسرة وحوامل الأكواب وغيرها حسب اختلاف أنواع الخيوط وملامسها وأشكالها. وتؤكد أن متعة إهداء قطعة كروشيه مصنوعة يدوياً لشخص عزيز لا تُقدر بثمن حقاً..!
وإذا تابعت المزيد يمكنك التعرف إلى المزيد عن الكروشيه فن نسائي جميل.. هل أوشك على الاندثار؟
صمود كلمة رائعة تصف فن الكروشيه
يمكن عمل العديد من المنتجات اليومية من خلال فن الكروشيه
تقول ماجدة جميل، باحثة في التراث والفلكور بكلية الفنون التطبيقية لسيدتي: صمود هي كلمة رائعة تصف فن الكروشيه كأحد أعمدة الفنون الحرفية القديمة، في مواجهة تحديات الزمن وعدم الانكسار أمام مستحدثاته، حيث تظل التطريزات القديمة برونقها الإبداعي والتي لا تزال تُمارس، مقدمة لأصول وغرز الكروشيه.
لا يوفر الكروشيه منفذاً للإبداع فحسب، بل يقدم أيضاً العديد من الفوائد. يمكن أن يكون نشاطاً مريحاً وتأملياً، مما يسمح بالاسترخاء وتقليل التوتر. يمكن أن يكون للحركات المتكررة للكروشيه تأثير مهدئ على العقل والجسم. بالإضافة إلى ذلك، يُعزز الكروشيه اليقظة ويُحسن تنسيق اليد والعين. إنه أيضاً طريقة رائعة للتواصل مع الآخرين وتمضية وقت ممتع من خلال مجتمعات الحرف اليدوية ومشاركة الإبداع.
على مر السنين، تطور الكروشيه وتكيّف مع ثقافات مختلفة، وقد تغيرت أسماء وأشكال الغرز بمرور الزمن، حيث كان هناك قديماً نوعان من الغرز "حياكة الراعي" Shepherd's knitting و"تطريز تامبور" تامبور برودريه الفرنسية، كما ظهرت مجموعة واسعة من الأساليب والتقنيات على رأسها الدانتيل الأيرلندي وصولاً للأميجورومي الياباني، حيث أضافت كل ثقافة أسلوبها الفريد إلى هذه الحرفة الخالدة.
حياكة الراعي Shepherd's knitting
تقول ماجدة: هي أقدم أشكال الكروشيه وتشبه الكروشيه ذا الغرزة المنزلقة، ويقال إن هذه التقنية كانت تُستخدم من قبل الرعاة لتمضية الوقت أثناء رعاية قطعانهم في شمال أوروبا، وتتضمن استخدام إبرة طويلة مستقيمة ذات نهاية معقوفة لغزل الصوف أو الألياف الأخرى، حيث تسمح النهاية المعقوفة للإبرة بسحب الخيوط من خلال الحلقات وإنشاء تصميمات معقدة مشابهة للكروشيه الحديث.
تستخدم حياكة الراعي عادةً خيوطاً أكثر سمكاً وخشونة وتصنع تصميمات في غرزة فضفاضة ومفتوحة تشبه الدانتيل. كانت هذه التقنية مقدمة للكروشيه الحديث، ولكن هناك اختلافات رئيسية بين الاثنين. عادة ما يتم عمل الكروشيه باستخدام خطاف واحد ويتضمن حلقات وعقداً، بينما تُستخدم حياكة الراعي إبرة معقوفة لسحب الخيط من خلال سلسلة من الحلقات. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم الكروشيه عادةً خيوطاً أنعم وأكثر سلاسةً وينتج عنه نسيج أكثر كثافة وتماسكاً من حياكة الراعي.
تطريز تامبور (تامبور برودريه)
يُعتبر تامبور برودريه هو الصياغة المفضية للحداثة لفن الكروشيه الحديث. وقد اشتق الفرنسيون هذه التقنية من الحرفيين الصينيين في أواخر القرن الثامن عشر وسرعان ما أصبحت شائعة بين الطبقة العليا الفرنسية والملوك. على أن هذه التقنية تجمع ما بين نسيج القماش والتطريز بالخيوط مما يخلق نسيجاً ثلاثي الأبعاد.
الكروشيه اليوم
تقول ماجدة: في أوائل القرن العشرين، ومع التقدم التكنولوجي انخفضت شعبية كثير من الحرف اليدوية، إلا أن الكروشيه لم يفقد ألقه ولا تميزه، حيث يلقى شغفاً في مجتمعات النساء وحتى الشابات فهو هواية ميسورة التكلفة ونتائجها الإبداعية رائعة، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات عبر الإنترنت، أصبح التواصل مع هواة الكروشيه الآخرين ومشاركة الأنماط والأفكار وإيجاد الإلهام أسهل من أي وقت مضى. لقد سهّل مجتمع الكروشيه النابض بالحياة على الإنترنت أيضاً على الأشخاص تعلم كيفية الكروشيه، من خلال العديد من البرامج التعليمية وموارد الفيديو المتاحة مجاناً عبر الإنترنت.