رسالة مارية إلى طارق(صديق آدم)
لا أريدُ التدخّل في شؤون الآخرين ولكنّي لم أفهم غرابة سيدي كيف يمكن لامرأة تزوّجت وأنجبت وكانت لا تحبُّك أن تظهر الآن وبعد خمسة عشر عاماً ثم تقول أصبحتُ احبك؟ وهل الحب وليدُ الثواني؟ يحزنني أنّي رأيتُ سيدي آدم على هذهِ الحال ولولا سابقَ علمي بضعفِ فؤاده وكآبته الغريبة لقلتُ
«لا شأن لي به ويستحق ما حدث له!»
لكنّه انسانٌ دمّرتهُ الوعود والأماني إنسانٌ صرعهُ الإنتظار..!
بعد أن وكَّلَني لإحضار حبيبته السابقة -نور- حيثُ سأستقبلها في المحطّة أودُّ أن أخبرك بما جرى في ذلك اليوم
بعدَ أن طالَ انتظاري هناك وأنا أحسب الركّاب الذين يغادرون القطار أصبتُ بالملَل وكدتُ أن أغادر لولم ترى عيني امرأة جميلة كما وصفها آدم
كانت امرأةً حسناء طويلة القامة بوجهٍ جميل الملامح وشعرٍ أسود طويل قد عقدتهُ الى خلف رأسها تقدّمتُ نحوها ثمّ سألتها
«أنتِ نور صحيح؟»
«نعم أنا هي ، من أنتِ؟»
«أنا مارية خادمة السيّد آدم»
ومددتُ يدي وصافحتها في حين نبست هيَ
«منذ متى وأنت خادمة لآدم ولماذا؟»
لم أدرك المغزى من هذا السؤال ولكنّي أجبتها
«منذ عشرة أعوام أو أكثر!»
أشارت برأسها ثمّ صمتت بينما لم يمنعني فضولي لكي اسألها هذا السؤال
«لماذا أنتِ هنا هل حقّاً جئتِ لرؤية آدم؟»
تبدّلت ملامحها وحادت الى الغرابة وهي ترد
«ماذا تعنين لماذا أنا هنا إذن؟!»
«لا شيء ولكنّي وددت أن أخبرك بأنّك لن تري آدم الذي كنت تعرفينه سابقاً!»
علّقت بسخرية
«هل تعنين بذلك أنّي سأجد شخصاً ذا قلبٍ من حجر؟»
ابتسمتُ ثمّ غيّرت الموضوع لأجعلها ترى بعينيها ما كنتُ أعنيه بكلامي
«إنّهُ يعشقكِ عشقاً لم أرى مثله من قبل ولن أرى مثله!»
بينما كنّا نقترب من المنزل الحجري القديم الذي يقطنهُ آدم سألتني نور
«كأنّك تعرفين الكثير عنّا؟»
أجبتها مباشرةً
«بالطبع فأنا التي كنتُ أكتب رسائل آدم إليكِ وأقرأ رسائلك عليه.»
سألتني بدهشة
«ولكن لماذا ألا يجيد آدم الكتابة؟»
لم أجِب على سؤالها وحين صرنا على بعد خطوات من المنزل أبصرتُ آدم جالساً قبالة النافذة من الداخل في حين كانت النافذة مفتوحة وكأنّه يشتم الهواء الذي يرافق محبوبته ويأتي بها إليه
ولكنّ المفاجأة كانت هنا حين توقّفت نور وقد أبصرت بدورها آدم الجالس بالقرب من النافذة وسألتني بحيرة شديدة
«لماذا يبدو هكذا؟»
«كيف يبدو؟»
«انظري إلى عينيه لماذا تبدو هكذا لماذا عينيه...»
وأكملَت بصيغة أخرى
«هل هو كفيف هل فقد بصره؟!»
«اليكِ الحقيقة لقد فقده منذ سنين طوال!»
تسمرّت في مكانها واختلطت لديها المشاعر وهي تقول
«لماذا كذب عليّ اذن عندما سألته عن بصره لماذا قال لي بأنّه بخير؟»
أجبتها
«لأنَّكِ طلبتِ ألّا تسمعي ما يعذّب الفؤاد وأخبرك بما أردتِ أن تسمعي»
استدارت وهمّت بالمغادرة دون أن تنبس بكلمة فقبضتُ على يدها وقلتُ في وجهها
«ماذا تفعلين!؟»
«سأغادر لا أريد أن أجلس بقربه لقد كذبَ عليّ لا يمكنني أن أطيقُ الكذِب»
صرختُ في وجهها وقد تملكني الغضب
«ماذا تفعلين أيتها الحمقاء إنه يترقّب قدومكِ لقد أعدَّ نفسه لكل شيء ، وكأنّه ولدَ من جديد عندما فتحَ رسالتكِ الأولى إنّهُ يعشقكِ لم أراهُ سعيداً هكذا طيلة هذهِ العشرة أعوام فلا تقتليه بهذهِ التصرُّفات الصبيانيّة!»
لم تعِر لكلامي اهتماماً وقالت وهي تستدير
«لابُد أن أغادر لدي عملٌ هاهنا وأريدُ أن أقضيه بأسرع وقت.!»
«هكذا إذن ماذا ظننتِ بحقّ الإله؟!»
لم تعلّق بينما كان الغضب يستولي علي فأمسكتها من يدها وقدتها بعيداً عن ساحة البيت لكي لا يسمعنا آدم
ثمّ لما صرنا بعيدتين بما يكفي ، رفعتُ يدي وصفعتها بقوة على وجهها لم تظهر أي ردّة فعل سوى كلمة علّقت فيها
«أنت مجنونة»
ثمَّ استدارت وغادرت.
حسناً يا طارق إلى هنا انتهيتُ من الحديث عمّا جرى في ذلك اليوم وعدتُ أجرُّ أذيال الخيبة نحو المنزل فتحتُ الباب ودخلت المنزل ألقى آدم نظرةً نحو الباب وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة بريئة ثمّ سألني
«هل أحضرت نور معكِ؟»
أجبتهُ بيأس
«كلّا لم تحضر»
سألني عن السبب وأطلعتهُ على ما حدث وأنّها رأتهُ وإلى آخره...
لكنّه لم يبدي أي إهتمام بل أمعنَ في الصمت وأطرقَ رأسه وظلَّ هكذا طوال اليوم الأول والثاني والثالث إلى أن طلب منّي أن أكتب رسالة أخيرة إليها وكتبتُ رسالتهُ الأخيرة إلى تلكَ الخرقاء المتغطرسة ثمَّ لم يكتب شيئاً بعدها.
وبدأت الأيام تمرُّ وهو على تلكَ الحال أي الحزن والمبالغة في الصمت نالَ منه الكمَد بأشدِّ أنواعه وفتكَت به الحسرة ، منع عن نفسه الأكل في حين كنتُ أرجوهُ أن يتناول الطعام وكان يكتفى بشربِ الماء فقط.
فلو رأيتهُ يا طارق بتلك الحال لما تعرّفتَ عليه فقد كسَفَ وجهه وشحبَ وهزلَ جسده في مدّةٍ لم تتجاوز الشهر.
وفي يومٍ من الأيام البائسة وفي صباح تشرين الأول استيقظتُ على صوت طلقة نهضتُ من سريري بخوفٍ ووجَل وهرعتُ نحوه وأبصرتُ مالم أكن أحسبهُ ، لقد كانَ كعادته جالساً على كرسيه بينما إلتصق رأسه بالطاولة التي أمامه وقد أفرغَ طلقةً في رأسه بينما كانت الدماء تغطّي الطاولة بأسرها وتتساقطُ من فوقها ، بكيتُ كثيراً فور أن رأت عيني روحه قد فارغت جسده.
لا يمكنني البقاء في هذا البيت رغم أنّه وهبهُ لي منذ زمن حيثُ قال لي
"يا مارية تأكّدي بأني لن أعيش طويلاً لذلك أحببت أن أعطيك منزلي وكل ما أملُك من وسائل ومال."
ولكن ما الفائدة يا طارق وكيف لي أن أعيش في بيتٍ زيّنهُ بوجوده ، بتلكَ الروح الجميلة!؟ وكلماته وذكرياته الحزينة والسعيدة!
وهذي نهاية ألطفُ من رأت عيني
"ومنَ الحب ما قتل!"
وداعاً طارق.
((النهاية))