هل تذكر آخر مرة كتبت فيها ملاحظة سريعة أو أعددت قائمة مشتريات؟ من المرجح أنك لم تفعل ذلك باستخدام القلم والورقة، فعلى مدار العقد الماضي، حلت لوحات المفاتيح والشاشات بهدوء محل الكتابة اليدوية في روتيننا اليومي، من الفصول الدراسية إلى اجتماعات المكتب، حتى أن بعض المدارس في جميع أنحاء العالم توقفت عن تدريس الكتابة اليدوية تمامًا.
ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن وضع القلم على الورق يوفر فوائد معرفية لا تستطيع الأدوات الرقمية محاكاتها، فمن تحسين التركيز إلى تقوية المسارات المعرفية، توفر الكتابة اليدوية فوائد عصبية لا تستطيع التكنولوجيا الحديثة محاكاتها.
لماذا لا تزال الكتابة اليدوية مهمة؟
أظهرت الأبحاث أن عملية وضع القلم على الورق تعمل على تنشيط مناطق متعددة في الدماغ؛ ما يؤدي إلى تحسين القدرة على الاحتفاظ بالذاكرة والوظيفة الإدراكية.
وتظهر أغلب الدراسات الإحصائية حول العلاقة بين الكتابة اليدوية والذاكرة، بينها دراسات أجريت في اليابان والنرويج والولايات المتحدة، أن الناس أفضل في تذكر الأشياء التي كتبوها يدويًا مقارنة بالكمبيوتر.
ومن تحسين القدرة على الاحتفاظ بالذاكرة إلى تعزيز نتائج التعلم، إليك كيف يمكن للحفاظ على فن الكتابة اليدوية أن يؤثر بشكل كبير على كيفية امتصاصنا للمعلومات والاحتفاظ بها.
ما هى فوائد الكتابة اليدوية؟
يمكن أن تُعزى فوائد الكتابة اليدوية جزئيًا إلى إشراك العديد من الحواس في عملية الكتابة، حيث أن إمساك القلم بأصابعنا، والضغط عليه على سطح ما، وتحريك أيدينا لتكوين الحروف والكلمات هى مهارة حركية معرفية معقدة تتطلب قدرًا كبيرًا من الانتباه.
وثبت أن هذا المستوى الأعمق من المعالجة، والذي يتضمن تعيين الأصوات لتشكيلات الحروف، يدعم القراءة والتهجئة عند الأطفال، ويستفيد البالغون أيضاً من طبيعة الكتابة اليدوية التي تتطلب جهداً مكثفاً.
ووجدت دراسة شملت 42 بالغاً يتعلمون اللغة العربية أن المشاركين الذين تعلموا الحروف عن طريق كتابتها باليد كانوا أسرع في التعرف عليها، وكان من الأسهل عليهم تسميتها، وكانوا أفضل في نطق الحروف التي تعلموها حديثاً مقارنة بالأشخاص الذين طُلب منهم تعلم الحروف الجديدة عن طريق الكتابة على الآلة الكاتبة أو مجرد النظر إليها.
ويقول روبرت وايلي، أستاذ علم النفس بجامعة نورث كارولينا في جرينسبورو والمؤلف المشارك للدراسة: “نعتقد أن نتائجنا يمكن تفسيرها جزئيًا من خلال كيفية تنشيط الكتابة اليدوية لمسارات مختلفة لنفس المفهوم”.
وأوضح أن تعلم كلمة جديدة ينطوي على ربط رمز مجرد بمعلومات على المستويات البصرية والحركية والسمعية، مضيفًا: “يمكن للكتابة اليدوية تنشيط المزيد من الاتصالات عبر هذه الأبعاد المختلفة مقارنة بالكتابة على الآلة الكاتبة”.
ومن خلال استطلاعات للرأي أجريت على 205 من الشباب في الولايات المتحدة وأوروبا، أتضح أن العديد من الطلاب أفادوا بمزيد من التركيز، وانتباه أكثر ثباتا، وذاكرة أفضل عند إنتاج نص عن طريق حمل أداة الكتابة بدلا من الضغط على لوحة المفاتيح؛ ما يشير إلى أن حاسة اللمس لدينا تلعب دورا حيويا في الطريقة التي نستوعب بها المعلومات.
فوائد الكتابة اليدوية
لكي نفهم بشكل أفضل كيف تؤثر حواسنا على إدراكنا، يمكننا أن نفكر في دماغنا كنظام طرق، حيث أن شبكات الدماغ لدى الأطفال تشبه المسارات الخافتة والمتعرجة في الغابة، ومع الممارسة والخبرة، يمكن أن تصبح هذه المسارات طرقًا سريعة تربط أجزاء مختلفة من الدماغ لنقل المعلومات بسرعة وكفاءة.
وفي دراسة نشرت في يناير الماضي، تم فحص الدماغ لـ36 شابًا بالغًا مسجلين في الجامعة يؤدون مهام الكتابة، وطُلب من الطلاب كتابة كلمات لعبة “بيكشناري” باستخدام قلم رقمي على جهاز بشاشة تعمل باللمس أو كتابتها على لوحة مفاتيح، وتم التقاط نشاط دماغ المشاركين أثناء كل مهمة من خلال تقنيات تخطيط كهربية الدماغ.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الدماغ بالكامل كان نشطًا عندما كانوا يكتبون باليد، بينما كانت مناطق أصغر بكثير نشطة عندما كانوا يكتبون على الآلة الكاتبة، وهذا يشير إلى أنه عندما تكتب باليد فإنك تستخدم معظم دماغك لإنجاز المهمة.
وعلاوة على ذلك، أفادت الدراسة بأن الأجزاء المختلفة من الدماغ التي يتم تنشيطها من خلال الكتابة اليدوية تتواصل مع بعضها البعض من خلال موجات الدماغ المرتبطة بالتعلم، وهناك مجموعة كاملة من الأبحاث تتحدث عن تذبذبات ألفا وثيتا في الدماغ، والتي تفيد في التعلم والتذكر، ووجد أن هذه التذبذبات كانت نشطة أثناء الكتابة اليدوية ولكن ليس أثناء الكتابة على الآلة الكاتبة.
ونتيجة لهذا، يشجع الباحثون على مواصلة تعلم مهارات الكتابة اليدوية، فيما توقفت العديد من المدارس في النرويج عن تدريس الكتابة اليدوية، واختارت بدلاً من ذلك أن يكتب التلاميذ ويقرأوا على جهاز iPad، وفي الولايات المتحدة، تم إزالة الكتابة اليدوية من المعايير الأساسية المشتركة، لكن العديد من الولايات قررت دمجها مرة أخرى في المناهج الدراسية بسبب فوائدها في التعلم.
وتعتقد بعض الدراسات أنه ينبغي لنا أن ندرج على الأقل الحد الأدنى من الكتابة اليدوية في المناهج الدراسية في المدارس الابتدائية لأنها مفيدة للدماغ النامي، كما أن ممارسة الكتابة اليدوية تعد تمرينًا جيدًا جدًا للدماغ، فهى تعادل القيام بأعمال الصيانة على طريق مزدحم.