لوحة للرسام الفرنسي إدوارد مانيه
مَن منا لم يسمع عن إدوارد مانيه؟ هذا الفرنسي الذي أحدثت أعماله الفنية ثورةً جامحةً ومهدت لنشوء فن جديد، حيث تُعد أعماله المبكرة علامةً فارقةً في تاريخ الانطباعية لتُمثّل بداية الفن الحديث، وعلى الرغم من تأثيره العظيم وأسلوبه المدهش الذي أذهل كثيراً من النقاد والفنانين بعد وفاته، إلا أنه لم يكن يحظى بهذا التقدير بحياته، فقد تقدم بأكثر من طلب إلى صالون باريس المرموق عدة مرات، إلا أن أعماله لم يتم قبولها إلا من قِبَل عددٍ قليلٍ فقط من الفنانين في تلك الفترة وهو حال كثير من الفنانين والذين لا يدرك العالم قيمتهم إلا بنهاية حياتهم أو حتى بعد وفاتهم، بالسياق التالي "سيدتي" تُعرفك (من موقع dailyartmagazine.com) على الرسام الفرنسي العبقري إدوارد مانيه وحياته في 6 حقائق قصيرة.
فنان أعماله أثارت جدلاً وأثَّرت على الفنانين الآخرين
بشرت أعمال الفنان الفرنسي إدوارد مانيه بحقبة فنية مدهشة فأعماله المبكرة "غداء على العشب" Le Déjeuner sur L'herbe، و"أوليمبيا" Olympie أثارتا جدلاً كبيراً وأثّرتا على أعمال بعض الفنانين الشبان الذين أسسوا المدرسة الانطباعية، وتُعتبر هذه الأعمال اليوم، علامةً فارقةً في تاريخ الرسم فتُمثّل بداية الفن الحديث، ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام أن "مانيه" نفسه لم يكن مفكراً ثورياً، ولم يكن يخطط لنشوء فن جديد. بيد أن إصراره، وقدرته المدهشة على إقامة صداقات مع المثقفين، والمفكرين الأحرار، والفنانين التشكيليين المبتكرين، وموهبته في تجسيد اللحظة الآنية جعلت منه شخصيةً لا تُنسى خلال عصره.
بحسب موقع dailyartmagazine.com فقد وُلد "مانيه" لعائلة باريسية ميسورة الحال بالعام 1832، وقد نشأ بمنزل والديه والذي يقع على الضفة اليسرى لنهر السين، في فاوبورغ سان جيرمان. وعلى امتداد منزله كانت مدرسة الفنون الجميلة، وعبر النهر، كان متحف اللوفر.
6 حقائق عن حياة مانيه
عائلة مانيه كانت أرستقراطية
كان والدا مانيه من الطبقة البرجوازية فقد كانت والدته، أوجيني ديزيريه فورنييه، ابنة دبلوماسي وحفيدة ولي العهد السويدي تشارلز برنادوت. وكان والده أوغست مانيه، رئيساً للموظفين في وزارة العدل الفرنسية وكان يتوقع بشدة أن يتابع ابنه الأكبر مهنة المحاماة، وقد حصل "مانيه" على تعليم جيد، على الرغم من أنه لم يكن طالباً مجتهداً، بل كان طالباً عنيداً مكابراً وكثيراً ما كان يُخالف أساتذته، وكان يرسم رسوماً كاريكاتورية لأصدقائه على هوامش دفاتر ملاحظاته.
أرغم عائلته على دراسة الفن
كان هناك صراع بين إدوارد مانيه ووالده حول مستقبله. فقد أراد أوغست مانيه أن يسير ابنه على خطاه ويدرس القانون، لكن لم يتمكن من إقناع "مانيه" بذلك. فتقدم "مانيه" بطلب للالتحاق بالكلية البحرية لكنه فشل في الامتحان. لذلك، في ديسمبر من عام 1848، عندما كان عمره 17 عاماً تقريباً، شرع مانيه في العمل كطيار متدرب على متن سفينة، وقد ذهب في رحلة إلى البرازيل استغرقت حوالي عام واصل خلالها الرسم باجتهاد، حتى أنه رسم رسوم الكاريكاتير المضحكة للضباط والمدربين على متن السفينة، وعند عودته إلى فرنسا، أجرى "مانيه" امتحان القبول في البحرية مرة أخرى، وفشل مرة أخرى. عندها رضخ والده وسمح له أخيراً بدراسة الفن.
اختار مانيه الدراسة تحت وصاية توماس كوتور، وقد بقي مانيه مع كوتور لمدة ست سنوات، وغادر بعد حادثة رسم فيها لوحة زيتية لم يوافق عليها "كوتور". وعندما احتشد زملاء "مانيه" الطلاب حوله، وصفقوا له بحفاوة بالغة، غضب "كوتور" بشدة. أكمل "مانيه" بعد ذلك تدريبه في متحف اللوفر. ثم سافر عبر إيطاليا وهولندا وألمانيا والنمسا، قبل أن يعود أخيراً إلى فرنسا ليستقر ويفتح الأستوديو الخاص به مع زميله الرسام ألبرت دي باليروى.
خدم "مانيه" في الجيش أثناء حصار باريس، وبعد سحق قوات نابليون الثالث الفرنسية في معركة سيدان تقدمت الجيوش البروسية نحو باريس وحاصرتها، وقد ظل ملازماً في الحرس الوطني، يذكر في رسائله إلى زوجته "سوزان" المرض واليأس والجوع، حيث بدأ الناس في أكل الخيول والبغال وحتى حيواناتهم الأليفة.
أغلب أعمال مانيه تم رفضها في صالون باريس التشكيلي
كان أول عرض قدمه إدوارد مانيه لصالون باريس هو شارب الأفسنتين في عام 1859، والذي تم رفضه، وعندما كان عمره 29 عاماً، تم قبول اثنتين من لوحاته في صالون عام 1861. وكانت هذه اللوحات هي "المغني الإسباني" و "صورة م. وسيدتي". وقد استقبل النقاد صورة والدي "مانيه" بعد ذلك بشكل سيء للغاية.
لوحة من أعمال الرسام مانييه
قدم مانيه بعد ذلك لوحة "لو باين" إلى صالون باريس عام 1863، وقد أثارت رفضاً وغضباً كبيراً. وقد كان الحكام قاسيين للغاية في ذلك العام، إذ رفض القائمون بالصالون في ذات العام ثلثي اللوحات المعروضة. وهذا يعني أن ثلثي الفنانين تم نفيهم لمدة عامين (فالصالون يُقام مرة كل عامين) والأسوأ من ذلك، أن أعمالهم الفنية يتم ختمها على ظهرها بحرف R باللون الأحمر، والذي يعني أنها مرفوضة مما يعوق قدرتهم على بيعها بشكل خاص.
خلال هذا العام اشتكى الفنانون المرفوضون وقاطعوا الصالون لدرجة أن الامبراطور نابليون الثالث 1808م – 1873، الذي لم يكن يرغب في حدوث المزيد من المشاكل على بابه بينما كانت حكومته تضعف، سمح بإقامة صالون خاص لعرض جميع الأعمال المرفوضة تحت اسم صالون "المرفوضين"، والذي شهد نجاحاً ساحقاً، فقد شهد أكثر من ألف زائر يومياً، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تجميع هذا العدد الكبير من الأعمال معاً في مواجهة حكام الفن والذوق في مدرسة الفنون الجميلة.
تزوج مانيه من معلمة البيانو سوزان لينهوف
كانت سوزان لينهوف عازفة بيانو هولندية شابة ممتازة، استأجرها والد مانيه لتعليم أبنائه الثلاثة، وقد شهد كل من مانيه ولينهوف علاقة رومانسية استمرت لنحو 10 سنوات. ولم يتزوجها إلا بعد وفاة والده وقد أنجبت له ابناً أسمته ليون إدوارد كويلا، وكان مانيه مغرماً جداً به وكان يأخذه في نزهات عبر جبال باتينيول كل يوم خميس وأحد. قام كل من لينهوف وليون بالتقاط صور لعدد كبير من لوحات مانيه. والأكثر شهرة هو أن ليون كان موضوع لوحة صبي يحمل سيفاً عام 1861.
أفضل أصدقائه بعض أشهر الشخصيات في باريس في القرن التاسع عشر
يبدو أن إدوارد مانيه كان شخصيةً جذابةً للغاية. وصفه أصدقاؤه بأنه ذكي، اجتماعي، فكاهي، جريء، ومستقل، مما جعله قائداً طبيعياً بين الفنانين الشباب. بطريقة ما، كان دائماً محاطاً بأشخاص مثيرين للاهتمام وفضوليين ومتطلعين إلى المستقبل ومنهم أنطونين بروست، تشارلز بودلير، يوجين ديلاكروا، إميل زولا، إدغار ديغا، بيير أوغست رينوار، بيرث موريسوت، بول سيزان، كلود مونيه والإنجليزي ألفريد سيسلي والأمريكي جيمس أبوت ماكنيل ويسلر، ومن أصدقائه الفنان الإيطالي جوزيبي دي نيتيس، والذي قال عنه: "لم يكن أحد أكثر لطفاً أو شجاعةً أو أكثر موثوقيةً من أي وقت مضى". كذلك الشاعر تيودور دي بانفيل،
والذي نظَّم الشعر تكريماً له فقال:
مانيه الضاحك، الأشقر،
الرشيق المنبعث،
مرح، رقيق وساحر،
بلحية أبولو،
كان من رأسه إلى أخمص قدميه،
مظهر رجل نبيل.
فتح الباب على مصراعيه أمام الانطباعية
لا يمكن أن يُطلق على مانيه لقب الانطباعي لأنه لم يعرض أعماله في أي من الصالونات الانطباعية. علاوةً على ذلك، لم تكن انشغالاته الفنية والأسلوبية متوافقةً مع السعي الانطباعي لتأثيرات ضوء الهواء الطلق تصوير اللحظات الآنية ومع ذلك، فتحت جرأة مانيه ورؤيته الباب أمام الانطباعية للدخول وتغيير العالم.
آخر عمل رئيسي لمانيه هو "بار في فوليس بيرجير" عام 1882. قبل شهرين فقط من وفاته، وعلى الرغم من آلامه كان لا يزال يرسم زهوراً نابضة بالحياة وملونة ورائعة. ومن المناسب أن تكون مثل هذه الشخصية المفعمة بالحيوية والكاريزما والأكبر من الحياة قد صنعت الفن بشكل مستمر، تاركة لنا مثل هذه الأعمال التي تؤكد الحياة حتى النهاية، وفي أبريل من عام 1883، بُترت قدم مانيه اليسرى بسبب الغرغرينا، نتيجة مضاعفات مرض الزهري والروماتيزم. توفي بعد 11 يوماً ودُفن في مقبرة باسي في باريس تاركاً إرثًا فنياً مذهلاً وحياة نابضة مفعمة بالألوان والبهجة تضمن 430 لوحةً زيتيةً، و89 لوحة باستيل، وأكثر من 400 عمل على الورق.