بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد
يزدانُ تاريخ الأمم والشعوب بمشاهد زاخرة، روت تلك الشعوب أرضها بالدماء، واقفة بوجه الطواغيت، مطالبة بحريتها مرة، ورافعة راية الحق منصورة مرة أخرى، ولكن من الصعب أن نجد في صفحات تاريخ الشعوب ثورة كالثورة الحسينية، وأبطالاً شامخين برزوا للمنايا بغبطة وسرور.
فالقضية التي استُشهد من أجلها الحسين وأهل بيته وأصحابه الأبرار ، هي قضية جليلة.. إنها قضية التضحية من اجل قداسة الحق الذي ثلم، والإنحراف بالمبادئ باتجاه الخطيئة من قبل يزيد بن معاوية.
إن الدرس الذي يجب أن نأخذه من هذه الثورة، هو درس القتال بين إثنين وسبعين مقاتلاً أو يزيدون، اصطحبهم الإمامُ الحسين من أهل بيته وصحبه الأبرار الميامين، وبين عشرين ألف فارس وهم جيش يزيد.. وما دار من قتال تجلى بالآلام والبطولات التي سطرها الثوار.
لقد كانت تضحيةً ومجداً قُرت بها عيون أمة الإسلام فيما بعد الثورة، لأن الحسين جعل الحق والحرية قيمة ومثوبة، فلم يهمّه النصر العسكري، وقد ترجم ذلك شاعر العراق أبو الحب الكبير الشيخ محسن بن الحاج محمد (1810 ـ 1887 م / 1225 ـ1305 هـ)، الكربلائي المولد والمسكن والمدفن، بالبيت المشهور على لسان الإمام الحسين :
إن كان دينُ محمد لم يستقم * إلا بقتلي يا سيوف خذيني
وهو من قصيدة يائية في رثاء الإمام الحسين ، من بحر الكامل الثاني، ومطلعها:
إن كنتِ مشفقةً عليّ دعيني * ما زال لومكِ في الهوى يغريني
لقد وقفت الثلةُ المؤمنة وراء الحسين ، ليس لهم في إحراز النصر على عدوهم أدنى أمل، وليس أمامهم سوى القتل بأسلحة عدوهم الغادر المتوحش، ولقد كانت أمامهم فرص النجاة التي عرضها قائدُهم الإمامُ الحسين
وبعد ظهيرة عاشوراء.. ارتفع رأسُ الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه الأبرار الميامين على أسنة الرماح إلى الكوفة، ثم الشام، لتكون مشاعل على طريق الحرية، ليس للمسلمين فقط بل للإنسانية كلها، وستبقى تلك المشاعل تنير الدرب لمن يريد أن يستنير بها، ويضع أقدامه على طريق الشهادة والسعادة الأبدية، أو الانتصار والإطاحة بالظلمة والطواغيت أينما حلّوا.
سيدي ومولاي يا أبا عبد الله؛ طبت وأهلُ بيتك وصحبُك المستشهدون بين يديك، وطابت الأرضُ التي فيها دفنتم، وكما قال صادق أهل البيت الإمام جعفر بن محمد الصادق : "موضع قبر الحسين من يوم دفن روضة من رياض الجنة".
فما أروع هذا الدرس من دروس الإنسانية، نأخذ منه العبر، فالدرس الحقيقي أن الحق هو المقدس، والتضحية هي الشرف، وهما ما يجعلان للإنسان والحياة قيمة ومعنى، في كل مكان وزمان. عليهم إذا هم أرادوها، ولكنهم رفضوها طالبين الشهادة والتضحية من أجل نصرة الحق وأصحابه، رفضوا النجاة ما دامت ستكون غمطاً لقداسة الحق وثلماً للشرف، وهكذا راحوا يتهافتون على ذهاب الأنفس، يقاتلون حول قائدهم الممجد في يوم العاشر من محرم عام 61هـ، يعانقون المنايا واحداً بعد واحد، وهم يصدحون: المبادئ الجنة.. المبادئ الجنة.