مشاهد سوقية
كانت قسوة الحياة طاغية على الوجوه اكثر من شمس الظهيرة التي سيطرت على السوق
تتجمهر في مدخله عربات التكتك العلامة الفارقة في الاحياء الشعبية طوق نجاة الطبقة المعدمة واحدى السيوف التي استلها المراهقون في وجه الفقر عديم الرحمة لفتني احدهم والذي يبدو سارحا يهز راسه بروية وعلى وجهه ابتسامة هازئة زود عربته بمضخم صوت وصلني منها احدى الالحان المميزة التي تستحضر لك كل ملذات هارون الرشيد حتى لو كنت سائق تكتك وقد مزج معها (احنة البل هندس , نلوح الشعراية) وهذا وهو مستمر بهز راسه ولكن عيونه اخذت تلمع مع اشتدداد اللحن الصاخب (ارجع كللهم , ذول اهل النيبة) يبدو ان ذروة الموقف اقتربة فرفع مستوى الصوت فاخذة العربة تهتز قليلا (لا ينسانة الكبرنة جناحة وطار) يبدوا ان هذه طريقته في محاربة الحياة فلا يمكن تجرع مرارتها ما لم يخففها بقليل من الوهم ولحظات النشوة التي يوزعها على طول اليوم فهو لم يكن يوما صاحب شأن ولا جزء من جماعة قوية ولا هيبة له تخشاها الناس ولكن تخيل كل هذا يفي بالغرض.
مع الاقتراب من البقالين تسمع اصوات مكبراتهم الجهورية (اسود درجة اولى طماطة زبيرية ركي عل سجين ……. ) متداخلة ومشكلة الصورة المثالية لسوق الخضار سنفونية البقاء على قيد الحياة التي ينشدها العالقون في دائرة اصحاب الدخل اليومي الطالعون على باب الله والذين لا يحتاجون الى روزنامة فابعد تاريخ يتخيلونه هو الغد وماذا يحمل الغد من مفاجئات*
اعتدت ان اشتري من احد العجزة الوقفين على حافات الحياة ولكنني لم اجادله على الاسعار منذ ان وضع صورة ابنه الشهيد (في قاطع نحن السابقون وانتم اللاحقون) لانه قدم ابنه بدون جدال ضحى بولده مرة واحدة
اخذت حاجياتي واسرعت الى صديقي صاحب التكتك فانا احتاج الى القليل من الوهم ايضا