جون.. مولى أبي ذرّ
تعريف
هو
جَون بن حَوِيّ، كان عبداً مملوكاً اشتراه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ وَهَبه لأبي ذرّ الغِفاريّ، وبعد وفاة هذا الصحابيّ الجليل رجع جَون إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام. قال الفتّونيّ:
كان جون مُنضمّاً إلى أهل البيت عليهم السّلام بعد أبي ذرّ رضي الله عنه، فكان مع الحسن بن عليّ عليهما السّلام، ثمّ انضمّ إلى الحسين عليه السّلام وصَحِبَه في سفره إلى مكّة ثمّ إلى العراق (1).
ومَن منّا لا يعرف أبا ذرّ الغِفاريّ، وهو الصحابيّ المُتفاني في حبّ أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام؛ إذ كان معتقداً أنّ وجودهم هو وجودٌ للإسلام، فروى عن رسول الله صلّى الله وعليه وآله عيون الروايات في فضائلهم صلوات الله عليهم.. من ذلك ما نقله عنه أبو رافع مولى أبي ذرّ، قال:
صَعِد أبو ذرّ رضي الله عنه على درجة الكعبة حتّى أخذ بحلقة الباب، ثمّ أسند ظهره إلى الباب فقال:
أيّها الناس، مَن عَرَفني فقد عرفني، ومَن أنكرني فأنا أبو ذرّ.. سمعتُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إنّما مَثَلُ أهل بيتي في هذه الأمّة كمَثَلِ سفينة نوح، مَن رَكِبَها نجا، ومَن تركها هلك. وسمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: اجعلوا أهلَ بيتي منكم مكانَ الرأس من الجسد، ومكانَ العينَين مِن الرأس؛ فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرأس، ولا يهتدي الرأسُ إلاّ بالعينَين (2).
وقد ورّث أبو ذرّ الغِفاريّ رحمه الله مولاه « جَون » حبَّ آل محمّد صلوات الله عليه وعليهم، والنُّصرةَ لهم والدفاعَ عنهم، فأكرِمْ به مِن ميراث!
الإذن الحسينيّ
التحق جون مولى أبي ذرّ بالركب الحسينيّ، وسمع من الإمام الحسين عليه السّلام إذْنَين: الأوّل ـ عامّ للأصحاب بالانصراف: انطلِقُوا جميعاً في حِلّ، ليس عليكم منّي ذِمام، هذا الليل قد غَشِيَكم فآتَّخِذوه جَمَلاً (3)، فأبَوا جميعاً.. مُقْبِلين على الشهادة.
والإذْن الثانيّ ـ خاصّ لبعض الأصحاب بالانصراف.. كان منهم جَون، حيث قال له الإمام الحسين عليه السّلام: أنت في إذْنٍ منّي، فإنّما تَبِعْتَنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا. فماذا أجاب جون إمامه ؟ قال له:
يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحَسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذُلُكم ؟! واللهِ إنّ ريحي لَنتِن، وإنّ حَسَبي لَلئيم، ولوني لأسوَد، فتَنَفّسْ علَيّ بالجنّة فتطيبَ ريحي، ويَشرُفَ حَسَبي، ويَبيضَّ وجهي، لا واللهِ لا أُفارقُكم حتّى يختلطَ هذا الدمُ الأسود مع دمائكم (4).
إنّه العزم على النصرة، والطمع في الكَون مع آل محمّد صلوات الله عليهم حتّى في ساحات الوغى والحُتوف..
الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالحاتِ طُوبى لَهُم وحُسْنُ مَآب
(5).
الشرف المؤبّد
نَفَد صبرُ عمر بن سعد من خُطَب الإمام الحسين عليه السّلام وقد رآها تؤثّر في نفوس عسكره، وخشي أن تهيمنَ خُطَب سيّد الشهداء وأصحابه على جيش عبيدالله بن زياد، فتقدّم عمر نحو عسكر الحسين عليه السّلام ورمى بسهمٍ وقال: اشهَدوا لي عند الأمير ( أي ابن زياد ) أنّي أوّلُ مَن رَمى! ثمّ رَمَى الناس.. فلم يبقَ أحدٌ من أصحاب الحسين عليه السّلام إلاّ أصابه سهمٌ من سهامهم، فقال عليه السّلام لأصحابه: قوموا ـ رَحِمَكمُ اللهُ إلى الموت الذي لابدّ منه؛ فإنّ هذه السهامَ رُسُلُ القومِ إليكم. فحمل أصحابه حملةً واحدة، واقتتلوا ساعةً.. فما آنجَلَت الغُبرةُ إلاّ عن خمسين شهيداً من أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام (6).
بعد ذلك.. أخذ أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام يبروزون واحداً واحداً أو اثنين اثنين. وخلال هذا برز جون يستأذن الإمامَ الحسين عليه السّلام، فأذِن له، فحمَلَ جون وهو يرتجز ويقول: