قرَّرتُ ولأوّل مرّة أن أقدّم شرحاً بسيطاً ومفهوماً -لكيفية كتابة الشعر- بعيداً كلّ البعد عنِ التعقيد والإطناب حيثُ سأوضّح بخلاصة شديدة وبسيطة الشعر العمودي والشعر الحر(الحداثي) ثمّ أنتقل لكيفيّة كتابة الشعر مع ذكر خطوات سهلة وسلِسة
..
الشعر العمودي : الشعر العمودي او الشعر العروضي هو الشعر الَّذي يتقيّد فيه الشاعر بالقافية والوزن فلا يجوز ولايحقّ له أن يخرج منهما(بعيداً عن ذكر الحشو) والمُراد بالوزن هاهُنا الوزن الموسيقي للقصيدة الشعرية والوزن الموسيقي هو بكل سهولة وبدون تعقيد الإعراب الّذي يأتي مع التفعيلات ، لنتناول على سبيل المثال البحر الطويل حيثُ تفعيلاته كالآتي
فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ
// 0/ 0//0/0/0//0/0//0//0
فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ
// 0 /0//0/0/0//0/0//0//0
ولمقياس صحّة القصيدة وعدم خروجها من الوزن يلجأ النقّاد إلى ما يسمّى بالتقطيع العروضي هذي العلامة ( / ) والّتي تعني أنّ الحرف متحرّكاً وإلى هذي ( * ) وتعني أنّ الحرف ساكناً
وعلى هذا البحر كتب طرفة بن العبد معلّقته الشهيرة أنظُر إلى هذا البيتِ
سَتُبدي لَكَ الأَيَّامُ ما كُنتَ جاهِلاً
ويأتيكَ بالأخبارِ من لَم تزوَّد
لنحلّل معاً كلمة واحدة من البيت كي يصل المفهوم بطريقة أفضل
سَتُبدي
//*/*
انظر إلى السين متحرّكة فوضَعنا لها / والتاء كذلك أمّا الباء فإنّها ساكنة لذا وضعنا لها * والدال هذهِ / لأنَّها متحرّكة والياء * هذهِ لأنّها ساكنة وهكذا يتم تقطيع البيت وقياس صحّته وبيان البحر الّذي كتبَ عليه ، أعرفُ أنَّ شرحي يحتاج إلى توضيح أكثر ولكنّي كما ذكرتُ فقد قرّرت ان لا اطيل عليكم لذا إن أردتم أن تقرأوا عنِ الأوزان وموسيقى الأوزان فعليكم بقراءة كتاب موسيقى الشعر للدكتور المصري ابراهيم أنيس ففيه يذكر البحور بشرح مبسّط ورائع
..
الشعر الحر :
الشعر الحر هو نقيض الشعر العمودي حيثُ يكون فيه الشاعرُ حرّاً في قافيته ووزنه والتلاعب بالقافية والوزن ولكن مع ذلك يجب على من يكتب قصيدة من الشعر الحر أن يدرك أنّ الشعر أيضاً لهُ وزن وهو ليس مجرّد قافية وكلمات مسطّرة بل يجب أن يكون سلِساً تطربُ لهُ الآذان وسأذكر أيضاً مثالاً على ذلك ثمّ أنتقل لكيفيّة كتابة الشعر وكي لا أظلم شاعراً فسيكون المثال من أشعاري القديمة :
وحينما أتيتُكِ مستبشراً
وأحملُ بيدي ماتشتهين من الأزهارِ
تحتَ مطرٍ
يدثُّ يبشّرنا بالأمطارِ.!
بكل الأحوال مقطوعة مضحكة لا تحملُ مفهوهاً ولا معنىً ولا كل شيء مجرّد كلام فارغ بل حتّى لا يمكن أن نسمّيها شعراً إذ لو فعلنا لأهنّا الشعر إذ أيُّ مجنونٍ هذا يحملُ أزهاراً لمعشوقته تحتَ الأمطار والغريب والمضحك أنّي أقول : تحتَ مطرٍ يدثُّ يبشّرنا بالأمطار بالعامي : (يعني هو يدث يعني كاعد تمطر شلون تبشّرنا السماء بالمطر وهي تمطر؟)
الآن لنقرأ مقطوعة قصيرة ذات معنى مفهوم
سلي الليل عنّي
هل هجرتُ القمَر؟
أم هل نسيتكِ
عندما نزلَت
قطرات المطَر
هذا هوَ العشق مبلغهُ
يُهجرُ المعمودُ
إذا ما هجَر
إنّي أُسائلُكِ
عن بسماتكِ
عن نظراتكِ
عن كلماتُكِ
عن قلبكِ القاسي
أما لان قليلا
فإنّي إنتظرتكِ
عهداً طويلاً ، طويلا
يا آيةَ الحُسن ويامَن
لم أرى لكِ في الجمالِ مثيلا
عاصمة الجمالِ
ساحرةُ الخيالِ
سيدةُ الجلالِ
هجرُكِ المحتوم أرداني قتيلا!
الآن بعد أن إنتهيت من تبيين الفرق بين الشعر العمودي والشعر الحر لأنتقل مباشرةً إلى كيفية كتابة الشعر
اعلم أيّها المقدِم على كتابة الشعر أنّ الشعر لن يكون سهلاً أبداً ولكنّهُ ليس صعباً كذلك
بل هو لو أردتُ تشبيهه مجازاً لقلتُ أنّهُ كآلةٍ وتريّة لا يعزفُ عليها إلّا من يعرف الأوتار ومواضعها وأيُّ صوتٍ يخرجُ من هذا الوتر وأي صوتٍ يخرجهُ ذاكَ
فالشعر هو هذهِ الآلة الوترية والأوتار هي الكلمات ؛ والمفاهيم هي الأنغام الّتي تتولَّدُ من هذهِ الأوتار ألا وهي قصيدتك فكن يا صديقي عازفاً ماهراً
..
الخطوة الأولى : موضوع القصيدة
الخطوة الثانية : الهدف من القصيدة
الخطوة الثالثة : الشعور بالقصيدة(عند كتابتها)
الخطوة الرابعة : ترتيب الكلمات والمعاني
الخطوة الخامسة : عدم الإطناب في القصيدة
الخطوة السادسة : خاتمة القصيدة
الخطوة 1 موضوع القصيدة : اختر موضوع القصيدة قبل أن تبدأ في الكتابة ماذا تريد؟ الغزل؟ العتاب؟ الهجاء؟ المديح؟ اختره حتّى قبل أن تبدأ في كتابة كلمة واحدة حيثُ الموضوع هو من سيقودك إلى الإستمرار في كتابة القصيدة فالموضوع تحديداً كالفرس حينَ تمتطيها إذ أنَّكَ أنتَ من تُطلقَ العنان لها ولكن هي من تقودك إلى حيثما تريد.
.
.
الخطوة 2 الهدف من القصيدة : قد يظنُّ البعض أنّ الموضوع والهدف هما شيئاً واحداً في كتابةِ القصيدة ولكن هذا خطأ إذ أنّ الموضوع كما ذكرتُ سابقاً هو الإنطلاقة للقصيدة بينما الهدف هو بمفهوم أدق ما الّذي تريده من هذهِ القصيدة؟ ما الّذي تريد أن تقدّمه من خلال هذهِ القصيدة هل تريد أن تحرَّض؟(على سبيل المثال) هل تريد أن تُبكي المستمعين؟ هل تريد أن تتغزّل؟ ما الّذي تريده تحديداً ، هدف القصيدة لا يختلف كثيراً عن كتابة رواية إذ أنَّكَ في كتابة الرواية ستختار الموضوع وسيكون على سبيل المثال شابّاً يلتقي بفتاة ويعشقها ولكنّها لا تبادلهُ نفس الشعور(هذا هو موضوع الرواية) ثمّ يأتي الهدف(ما الّذي على الشاب ان يفعله لكي يحصل على ثقة هذي الفتاة ويتوصّل إلى محبّتها) هل وضحَ الأمر؟ أيِ الفرق بين الموضوع وبين الهدف؟
الخطوة 3 الشعور بالقصيدة : أنت لن تستطيع أن تشرح السبب الّذي أدَّى لجرحك ما لم تكن مجروحاً أنت لا تستطيع أن تبرع في الغزل ما لم تكُن عاشقاً وكذلك يرجع الأمر لسائر الوان الشعر ، ففي الشعر أنت دائماً بحاجة إلى شرارة إنطلاق وكما يقال النيرانُ العظيمة لا تشعلها إلّا الدُقاق من الخشب ولكي تكتب قصيدةً على سبيل المثال عن الغزل يجب أن يكون حتّى ولو ضوءٌ خافت من الحب بداخلك
لذا لا يسمّى الشاعر شاعراً ما لم يشعر بما يكتب فكن شاعراً صادقاً ولا تكذب على نفسك ماهو ألمَك؟ اكتبُ عنهُ وأعدُكَ ستبرعُ في قصيدتك ولكن بشرط أن تسير وفق الخطوات الّتي ذكرتُها وسأذكرها
الخطوة 4 ترتيب الكلمات او المعاني :
لا تتسرَّع ابداً في نشر قصيدتك لديكَ ما هو أهم الكلمة ، اكتب قصيدتك ثمَّ رتّب كلماتها بالمعنى لاحقاً
الكلمة هي روح القصيدة ومهجتُها ،
عندما تكتب قصيدة لديك عشرات الكلمات الّتي تحمل نفس المعنى ك(أسد ، ضيغَم ، ضرعام ، ليث ، سبع ، و إلخ...)
وكما قال الشاعر ووضع الكلمة في محلّها
طالما في الوكرِ سبعٌ
لَن تدخلَ الوكرَ الضِباعا!
إستطاع أن يقول ليث ولكنّه لم يستطع أن يقول ضيغم او أسد او ضرغام حيث سيفسِد بيته بكسرِ الوزن إذا وضع الكلمة الغير منشودة في غير محلّها ، وهكذا أنت يا صديقي يجب أن تدرك جيّداً الكلمات ومعانيها ومتى تضع كلمتك في هذا البيت ومتى تضع الأخرى في ذاك البيت ولا تنسى أبداً وقعَ الكلمات وموسيقاها فإذا كتبت قصيدة اشتياق فعليك أن تكون بارعاً في معرفة الكلمات حيث أي كلمةٍ ستضع
شوق ، صبا ، تلهُّف ، صبوة ، وَجد وإلخ .. وهذا سيكون منهجك طوال كتابتك لقصيدتك
الخطوة 5 عدم الإطناب :
إذا أردت أن تقتل قصيدتك فأطِل في الشرح والتفصيل وهكذا ستكون قد قتلت قصيدة جلستَ عليها ربّما ساعاتٍ وليالي
الإطناب أبداً ليس من الشعر ولن يكون فالشعرُ ليس بخطبة تقول فيها بيتاً ثمّ تقوم بشرح البيت بطريقة شعرية وكما قال البحتري
فالشعرُ لمحٌ تكفي إشارتهُ
وليسَ بالهذرِ طُوّلَت خُطَبُه
وحسبُنا ما يقول البحتري في الشعر ، (لمحٌ) يقول البحتري مجرَّد لمحة وليس كلاماً هذراً او خطبةً طويلة!
فإلتزم بما قالهُ البحتري لنا قبل الف عام وينبغي أن أنوّه إلى أنّ ما قاله البحتري ينطبق ايضاً على الشعر الحر وليس المُراد أن لا تطيل قصيدتك بل هو ألّا تكثر فيها من الكلام الّذي لا نفع له بل هو كالخنجر الّذي في شرايين قصيدتك
الخطوة السادسة الخاتمة :
خاتمةُ القصيدة كبدايتها ، إذا كتبت قصيدة دون أن تكون قد حضّرت لها خاتمة فإنَّكَ سوفَ تكون كمن يهيمُ في الصحراء في ليلةٍ ظلماء فلا هو يهتدي بالجبال ولا هو يهتدي بالنجوم!
وينبغي عليّ تذكيرك صديقي العزيز أنّهُ ليس بالضرورة أن تكون قد كتبت الخاتمة قبل البداية ولكن يجب أن تكون عالماً بماذا تريد أن تختم قصيدتك ،
ما الهدف الذي تريد إيصاله في نهاية القصيدة او بماذا تريد أن تنهيها؟
خاتمة القصيدة كما ذكرتُ مهمّة جدّاً ، وهي تذكّرني تحديداً بعازف البيانو حيثُ يبدأ عزفه ويتنقّل بين الألحان حتّى إذا أراد أن ينهي معزوفته أخفض صوت العزف شيئاً فشيئاً ثمَّ يظلّ يعزف مستخرجاً اصوات تؤّدي إلى المستمع أنّ العزف سينتهي بعد ثواني(إستعموا إلى معزوفة بيانو حتّى تعلموا ما الَّذي اعنيه)
إلى هنا أكونُ قد إنتهيتُ من تبيين -كيفية كتابة الشعر- بواسطة ذكر خطوات بسيطة واتمنّى أيضاً أن اكون قد وفّقتُ فيما أردت
وأطلبُ من الإخوة أن يسدّدوا لي إذا اخطأت كما أنّي اسأل من هم أعلم منّي أن يضيفوا إلى ما ذكرتُ من خطوات ممّا لديهم من أفكار وآراء في كيفية كتابة الشعر -والسلام-
أخوكم العيلامي