يبدو أن سحر اللون الأزرق كان وسيظل له تأثير ملحوظ حيث يندر إيجاد هذا اللون فى العالم الطبيعى، لذا كانت الصبغات زرقاء اللون، على مدى قرون، مطلوبة للغاية من قبل الحرفيين والتجار حول العالم القديم. وأدى البحث عن اللون الأزرق المثالى إلى تحويل وتغيير فى التقاليد الفنية، بدءًا من اللوحات الفنية، والمجوهرات، إلى البلاط التركى، والأوانى الزجاجية الفارسية، وأوانى الفخار والخزف، وكان البورسلين الأشهر والأجمل على الإطلاق لعدة قرون، وذلك باتباعه تقليدا من اللونين الأزرق والأبيض وعليه زخارف من النباتات والطيور.
وانتقل البورسلين الأزرق والأبيض بدروه إلى الحضارة الإسلامية، عندما شهدت صناعة أوانى الخزف باللونين الأزرق والأبيض ازدهارا كبيرا خلال عصر الأتراك العثمانيين.وفى مصر، ظهر هذا النوع من الخزف فى العصر المملوكى المتأثر بالخزف الإيرانى فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى متأثرًا بالبورسلين الصينى المزخرف بالأزرق على أرضية بيضاء، حيث نجد فيه زخارف مقتبسة، مثل رسم التنين والعنقاء وبعض الرسومات لحيوانات وطيور ونباتات مائية مرسومة، طبقًا لقواعد الطراز الصينى.
والبورسلين الأزرق والأبيض كان محور تركيز معرض «الطريق الأزرق»، فى هونج كونج، ويحمل عنوانه الاسم الذى يطلق على طرق التجارة القديمة المعروفة حاليا باسم «طريق الحرير»، وفقا لموقع «سى إن إن» الأمريكى.
ومن بين القطع الأثرية العديدة للمجموعة، هناك طبق أزرق وأبيض من القرن السابع عشر يصور الطيور المائية وسط النباتات والزهور. وهو أسلوب استلهم الكثير من التقليد الفنى القديم، وقد ظهر الآن على كل شىء بداية من مناشف أطقم الشاى الزرقاء إلى مقابض الأبواب الخزفية.
لكن بينما يرتبط اللونان الأزرق والأبيض بشكل شائع بالحضارة الصينية القديمة، إلا أن هذه الأطباق كانت تصنع فى بلاد فارس «إيران» حاليا، التى بدورها نقلته إلى العثمانيين. وهذا توضيح مبهر لكيفية تطور التجارة والتأثير فى ثقافة الإمبراطوريتين.
بدأت الصين فى استيراد الكوبالت وهو العنصر المستخدم لصنع الصبغة الزرقاء المبكرة، من بلاد فارس فى القرن الرابع عشر. لكن النخب الصينية فى عهد «مينج» لم تكن راضية فى البداية أن يتحول الخزف الأزرق والأبيض إلى رمز لسلالتها، وفقا لما قالته شاهيندة كريم، الدكتورة فى العمارة فى الفن الإسلامى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، للمصرى اليوم. وأضافت أن الأمر وصل لدرجة أن الخبير الاستشارى لمينغ، تشاو زاو، اعتبر الخزف الأبيض والأزرق فى البداية أمرا «مبتذلا». لذا تم التركيز على التأثيرات الزجاجية الرقيقة والأشكال الرشيقة، مع اعتبار التصاميم الزرقاء أمور زخرفية للغاية.
لكن مع ارتباطاته بالندرة والجمال الساحر، سرعان ما أصبح لون الكوبالت الأزرق شائعًا. قبل فترة طويلة.
نشر التأثير الفنى على العالم الإسلامى أثر جمال اللونين الأزرق والأبيض بشكل كبير على التقاليد الفنية للإمبراطورية العثمانية المجاورة للفارسية، فالخزف الصينى كان قد حظى بالإعجاب والجمع والمضاهاة فى العالم الإسلامى منذ القرن الرابع عشر، عندما شرع كل من المصريين والسوريين والإيرانيين فى تقليد الخزف الصينى. وانتشر هذا الخزف بالأخص فى البلاط العثمانى، إذ اقتُرح أن يكون الخزف الأبيض والأزرق من معالم الفن العثمانى. ويتجلى ذلك فى المصنوعات التى خرجت من «إزنيك» شمال غرب تركيا، وهى من أقدم مراكز صناعة الخزف فى أسيا الصغرى. وأنتجت أزنيك أيضا أوانىَ خزفية زينت فقط باللونين الأبيض والأزرق تأثرا بمنتجات الخزف الصينى، وظهرت عليها رسوم ذات طابع صينى واضح مثل رسم طائر الكركى والكائنات الخرافية مثل رسم التنين والعنقاء.
وفى العصر الوسيط بدأت محاولات لصنع خزف عـادى مماثل للبورسلين من حيث عدم التشقق والشفافية. واستؤنفت هذه المحاولات بصورة أكبر فى العصر الصفوى (١٥٠٢-١٧٢٢م) لمواجهة الواردات الصينية التى زادت منذ العهد المغولى.
كما اتبع طراز «منج» واستخدام اللونين الأزرق والأبيض فى الأوانى والقنانى والفناجين القريبة فى نقاء لونها الذهبى مـن منتجات القرون الوسطى لكنها لم تستمر طويلا.
وتم تقليد البورسلين الصينى الذى يأخذ اللون الأزرق على أرضية بيضاء ووجـد فى الفسطاط فى مصر القديمة نماذج كثيرة للخزف الصينى الأصلى والخزف المصرى الذى صنع تقليدا للخزف الصينى.
من ناحية أخرى، تضمنت التصميمات الزخرفية للخزف الأزرق أساليب زخرفية عربية، إذ ظهرت تصميمات زخرفية وحروف عربية وفارسية على سطح الخزف الأزرق. كما تأثر تشكيل الخزف الأزرق بالأساليب العربية. ومن أجل الاستجابة لمطالب السوق العربية والتجار العرب، صنع عدد هائل من الأوانى الخزفية فى فترتى يوان ومينج يتفق مع الذوق العربى.
فى العصور الوسطى، بدأت صبغة اللون الأزرق الفاقع الحيوى عالى الجودة فى الوصول إلى أوروبا على طول طرق التجارة البرية. صُنع هذا التلوين من حجر اللازورد شبه الكريم، وتم تعدينه فى أفغانستان. ووصل عبر البندقية، واكتسبت اسم «ultramarine» «ألترامارين» وغير مسار الرسم الأوروبى.
وبحثت دول مثل البرتغال عن خيارات محلية أرخص، بل عينت مسؤولين ملكيين للإشراف على تعدين الصبغة الزرقاء، وفقا لـ«بيلى». وأدى البحث عن تلوينات أسهل وأقل تكلفة، فى النهاية لاكتشاف درجات جديدة من الأزرق. وهذا يشمل «الأزرق البروسى» فى القرن الثامن عشر، وفى بداية القرن التاسع عشر، وكان لون أزرق الكوبالت النقى من الألومينا والذى كان يستخدمه الرسام، فان جوخ، من بين آخرين.
فى عام 2009، قال الكيميائى فى ولاية أوريجون إنه اكتشف ظلا جديدا، أزرق اللون، يوصف بأنه «أول صبغة زرقاء جديدة منذ أكثر من 200 سنة، منذ الأزرق الكوبالت». وهكذا، ربما، يستمر البحث عن اللون الأزرق المثالى أمد الدهر.