وَإِن مُتُّ فَالإِنسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ .. وَإِن طالَتِ الأَيّامُ وَاِنفَسَحَ العُمرُ
وَلَو سَدَّ غَيري ما سَدَدتُ اِكتَفوا بِهِ .. وَما كانَ يَغلو التِبرُ لَو نَفَقَ الصُفرُ
أيهما أثمن؛ طن من معدن الصفر أم كيلوغرام واحد من معدن الذهب الخالص؟ كذلك الأعمار لا تقاس بعدد السنوات إنما تقاس بحجم الإنجازات فكم في الدنيا من يعيش مائة سنة، يستهلك فيها أطنانًا من الأكل والشرب والمسكن والملابس والطاقة ولا ينتج ما يساوي يومًا واحدًا، أو حتى ساعة واحدة، من عمر من يعيش ثلاثين سنة.
التاريخ مليء بسيَر البشر الذين لم يعمروا طويلًا، وفي العمر القصير أنجزوا كثيرًا، أنبياء، علماء، مصلحون، عباقرة، مخترعون تركوا تراثًا يحكي عن عزيمة وإصرار وتميز. عاش النبي محمد صلى الله عليه وآله سنوات قليلة فوق الستين سنة وملأ الدنيا إعجازًا وإنجازًا وغير الدنيا كلها من زمن بعثته وحتى تقوم القيامة.
غاية الأمر إذا اجتمع الاثنان، طول العمر والفائدة فذلك أقصى ما يتمناه المرء. أما إذا لم يكن في العمر إلا الأكل والشرب والمتعة فيكفي منه سنوات! خذ مثلًا عمر الشيطان الطويل الذي لا تحصى عدد سنواته، ما هو إنجازه العظيم؟ {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}؛ غايته -هذا المخلوق اللئيم- من العمر الطويل الإضلال!
جاء في دعاء الإمام الورع علي بن الحسين بن علي -عليهم السلام- طلب في غاية الروعة: "وعمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعًا للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلي، أو يستحكم غضبك علي". يطلب من الله سبحانه وتعالى جودة العمر قبل عدد السنوات!
قد لا يعمر المبدعون طويلًا ويموتون قبل سواهم من الناس العاديين -من أشباهي- لأن التميز يتطلب صفات خاصة. لا ينتظرون أن يستهلكوا جلّ خيرات الدنيا قبل أن يرحلوا لكنهم يبقون خالدين في ذاكرة التاريخ، تتغذى ذكراهم من أصالة أعمالهم وإنجازاتهم القيمة.
قبل أن نغادر هذه الخاطرة القصيرة الرجاء من الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك في أعمارنا -كلنا- ويجعلها مليئة بالمنافع! نعيش ونظنّ أننا ننفع وأن حياتنا لها قيمة ووزن. أما عندما تقاس أعمارنا بالموازين الدقيقة فعلينا أن نطأطئ رؤوسنا من الخجل والتواضع فهي صناديق فارغة لا تساوي فلسًا واحدًا!