افتتاحية: قم للكبير وأفسح له المجلس وأجلسه مكانك إن ضاق المجلس ورحب به وبجّله ولا تضايقه بكلمات قد تؤذيه وأنت لا تقصد ذلك كقولنا كبرت يا فلان أو "كأنك خرفت" وإن كان مزاحًا، أو كلمات تفقده الثقة بالحياة أو اختبار ذاكرته بكونه عرفنا أم لا؟ أو التهكم على فشله أو خسارته وإن كنت ممازحًا له.
عندما تصافح كبير السن؛ فعليك أن تقف احترامًا وإجلالًا له وتبجيله وتقديره "وعرفه بنفسك" إن كان الأمر مهمًا وإن سألك فأجبه دون مزيد تعليق ولا تختبر حافظته فتحرجه ويشعر بأثر تقادم العمر على ذاكرته فقد يصاب بالإحباط المتراكم الذي قد يصيبه بالقلق حينما يقابل الناس، فإن قيمتنا هي بوجود هؤلاء الشيبة الذين هم نور الرحمة على رؤوسنا نستضيء بهم ونسير على خطاهم المملوءة بالخبرة والتجارب الثرية بكل أصناف المتاعب من الحياة.
فقد عملوا لأجل أن نكون أعزاء أقوياء متقدمين بارعين ثابتين في مشينا لا نعد خطواتنا خوفًا من الانزلاق بل قوية صامدة تعرف طريقها لثقتها بصحة رأي الكادحين في عملهم وخبراتهم.
ثلاث مراحل كما يشير إليها القرآن الكريم في حياة الإنسان وهي الطفولة وهي أولى حياته وحاجته إلى من يقوم بتغذيته، ثم مرحلة الشباب والفتوة والقوة وهي أطولها، إلى أن تصل إلى قمة القوة ثم تبدأ بالانحدار إلى أن تصل إلى مرحلة الضعف والحاجة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) ويستمر به الضعف قاهرًا لإرادته في بعض درجات وجوده.
قانون طبيعي يكبر الإنسان وتضعف تدريجيًا قواه البدنية وحافظته ويظهر على قلة منهم نوع من العصبية النفسية والتبرم وهو ما يحتاج إلى عناية وانتباه لطريقة التعامل معه وتتعدد أشكال الانفعالات بتعدد تكوينته النفسية ودوافعها ولعل من يعاني مرضًا ما، يكون أكثر انفعالًا وهذا ما يجعل طريقة التعامل معه أكثر دقة وانتباهًا.
الخبرة الطويلة في الحياة ومصارعتها وتحدياتهم تجعلهم أكثر معرفة وخبرة ومرحًا وطيبة وهدوءًًا واستقرارًا نفسيًا رغم ضعف القوى وستجده أكثر إلحاحًا إلى قص قصص إنجازاته وكيف تغلب على مصاعب الحياة وكيف خرج سالمًا من تلك الحادثة الكبيرة.
وإياك أن تقول له: سمعتها منك كثيرًا أو تتبرم منه أو تدير وجهك عنه بل (أقبِل عليه وأعطه إذنك واستمع إليه ومجد إنجازاته).
إننا بحاجة إلى إعادة التأكيد على كيفية بعث قيم وآداب الاحترام والتبجيل للشيبة خصوصًا مع انقطاع الأجيال عن مد جسور الثقافة فقد قرنها الله بإجلاله كما جاء في الروايات بمضامين متعددة كالإجلال والتقدير والتبجيل كما ورد عن النبي صلى الله عليه واله (من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم) وأخرى (بجلوا المشايخ فإن من إجلال الله تبجيل المشايخ)، وصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق عليه السلام (من إجلال الله عز وجل إجلال الشيخ الكبير)، وأخرى (عظموا كبراءكم وصلوا أرحامكم)، (من عرف فضل كبير لسنه فوقره آمنه الله من فزع يوم القيامة).
وأخيرًا فلنجعل مجالسنا وبيوتنا ومجتمعنا حافلًا بقيم إجلال الشيبة (كبار السن) وتعظيم مقامهم وتقبيل رؤوسهم وإفساح المكان لهم ورفع مكانتهم ما أمكن لتثبت بشكل أكبر هذه القيم وتنغرس بنفوس أبنائنا معنى وقيمة هؤلاء الأعزاء الذين هم تيجان على رؤوسنا وبركة إلهية بطول أعمارهم ودعائهم وأن نقوم بخدمتهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.