الرمان
الرمان فاكهة لذيذة ومحببة للكثيرين، وعبر التاريخ البشري كان الرمان متجذرا بعمق، فظل لآلاف السنين غذاءًا ودواءًا حيويًا للناس في العديد من الثقافات المختلفة، وله دلالة دينية، فهو رمز للحياة والولادة والخصوبة والزواج والثروة.
ويعتقد أن شجرة الرمان موطنها الأصلي اليونان، فيما يقول البعض إنه جاء من بلاد فارس، بينما يقول آخرون إنه جاء من إيران وأفغانستان وزُرع منذ العصور القديمة.
الرمان في العصور القديمة
لعبت شجرة الرمان وثمارها دورًا رائدًا في اليونان منذ العصور القديمة، وكانت تسمى “رؤيا” وفاكهة “روا”، وكانت الفاكهة تستخدم كرمز مقدس في طقوس الزرادشتية والتي تمثل خلود الروح وكمال الطبيعة، فيقول هيرودوت في كتابه “التاريخ” أنه خلال الحروب الفارسية كان الجنود يحملون الرماح المزينة بالرمان الذهبي والفضي بدلاً من المسامير.واعتقد الصينيون القدماء أن العصير يحتوي على “روح مركزة” يمكنها أن تقدم الخلود، واعتقد البابليون أن مضغ البذور قبل المعركة يجعلها لا تقهر، كما اعتاد قدماء المصريين دفن موتاهم بالرمان، لأن خصائصه ورموزه كثمرة للخصوبة ستساعد المصري المتوفى على الولادة من جديد.
وفي ملحمة هوميروس وردت إشارة عنه، فيقول الشاعر أن الرمان إلى جانب أشجار الكمثرى والتفاح والتين والزيتون كان من بين الأشجار المزروعة في حديقة ألكينوس، ملك الفائسيي.وفي أسطورة تانتالوس، يذكر هوميروس أيضًا أشجار هذه الفاكهة كواحدة من الأشجار التي تعلقت ثمارها فوق تانتالوس، في كل مرة يمد يده ليأخذ الثمرة تهبها الريح بعيدًا وتمنعه من الوصول إليها.
الرمان في اليونان القديمة
اعتقد الإغريق القدماء أن بذور الرمان ترمز إلى الوفرة، ربما بسبب كميتها، كما أنها تمثل الخصوبة والخلود والحظ السعيد، وذكر فلاسفة الإغريق ان الفاكهة لها خصائص علاجية ما جعله يبدو وكأنه كان الذهب الأحمر منذ العصور القديمة.
وارتبط الرمان ارتباطًا وثيقًا بأسرار إليوسينيان، والتي تعد من أشهر الشعائر الدينية السرية اليونان القديمة، وفيها كان الكهنة يرتدون أكاليل الزهور المصنوعة من أغصان تلك الفاكهة خلال هذه الاحتفالات.
وأثبتت العديد من الاكتشافات الأثرية أن ثمرة الفاكهة كانت معروفة في البحر الأبيض المتوسط خلال العصور القديمة، حيث انعكست في الفن القديم، فرسم الرمان على أواني في ميلوس.
وفي أكروتيري في سانتوريني، حيث أدت الحفريات إلى إلقاء الضوء على حاويات التيفرا بزخارف فاكهة الرمان، كذلك صورت الفاكهة في جزيرة كريت، في كنوز مينوان، في اللوحات الجدارية من القرن السابع عشر قبل الميلاد، ويحتوي المتحف الأثري الوطني في أثينا في مخزنه على رمان برونزي رائع تم اكتشافه في الأكروبوليس.
الأساطير اليونانية
ويحتل الرمان مكانة بارزة في الأسطورة اليونانية القديمة بيرسيفوني وزواجها القسري من هاديس، إله العالم السفلي، حيث اختطف هاديس بيرسيفوني وأخذها إلى العالم السفلي لتصبح زوجته، وحزنت ديميترا، والدتها، إلهة الخصوبة على ابنتها المفقودة، مما تسبب في توقف كل الأشياء على الأرض عن النمو، ثم. أمر زيوس، والد بيرسيفوني، شقيقه هاديس بالإفراج عنها وأطلق سراحها.
لكنه خدعها وقدم لها رمانة وأكلت منها ست ، ولأن كل شخص يستهلك طعامًا أو شرابًا في العالم السفلي محكوم عليه بقضاء الأبدية هناك، فقد اضطرت بيرسيفوني لقضاء ثلث كل عام (أشهر الشتاء) هناك وبقية العام مع الآلهة، وأثناء جلوسها في تلك الفترة تحزن والدتها ديميتر ولم تعد تمنح الخصوبة للأرض.
علاج استثنائي
أما النظام الطبي الهندي القديم المعروف أيضًا باسم “الأيورفيدا” أو “علم الحياة”، لا يستخدم بذور الرمان فحسب بل يستخدم أيضًا الزهور وقشر الفاكهة ولحاء الجذر، وكل جزء من النبات له فوائده وبالتالي خصائصه العلاجية المحددة، ويعتبر عصير الفاكهة الطازج منشطًا قويًا خاصةً للجهاز الهضمي والدورة الدموية.
كما يقال إن اللحاء له خصائص مضادة للالتهابات وبالتالي فهو يستخدم لعلاج التهاب الحلق، أما المادة المستخلصة من الجذور تستخدم كمضاد للطفيليات، حيث يستخدم الطب الهندي القديم الرمان لعلاج حوالي مائة حالة مختلفة.
وكذلك يؤمن الطب الصيني التقليدي أيضًا بالخصائص المفيدة لهذه الفاكهة، وفي الطب التبتي، تعتبر البذور المطحونة من تلك الفاكهة الممزوجة بالقرفة والهيل والفلفل علاجًا للجهاز الهضمي.
فوائد لا تحصى
الرمان غني بالعناصر الغذائية والفيتامينات مثل فيتامين ج وفيتامين ك والألياف الغذائية والفوسفور والبوتاسيوم وحمض الفوليك، بالإضافة إلى أنها تحتوي على مادة البوليفينول، وهي من مضادات الأكسدة القوية التي تساعد على حماية الجسم من الجذور الحرة وتقليل الالتهاب.
واقترحت بعض الدراسات أن تناول عصير الرمان قد يكون له فوائد صحية محتملة مثل تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب وتحسين تدفق الدم وخفض ضغط الدم.
الرمان في العصر الحديث
وكسر ثمرة الرمان في يوم رأس السنة هي عادة يونانية مستمرة حتى يومنا هذا، حيث تعتبر الفاكهة الحمراء المغذية رمزًا للحياة والحظ السعيد.
ويدخل الرمان اليوم في استخدامات عديدة فهو من أكثر العصائر المغذية الغنية بمضادات الأكسدة والتي يمكننا عصرها مثل البرتقال، كما يمكن استخدامه في الطهي والسلطات الخضراء، كما يتناسب أيضًا مع أطباق اللحوم والدجاج، ويصنع صلصات حلوة وحامضة ذات نكهة ومذاق مميزين.
وينصح عند التسوق لشرائه، يجب أن اختيار الفاكهة الثقيلة نسبيًا ذات قشر لا تشوبه شائبة ولون جميل غامق، ويمكن تخزينه لعدة أيام خارج الثلاجة ولعدة أشهر في حجرة الفاكهة بالثلاجة بينما يمكن حفظ البذور بشكل مثالي في كيس الفريزر في الفريزر.