رسائل بعد منتصف الليل: عذرًا أستاذنا، أسألكَ مسألة؟ يستيقظ على رنين الهاتف ويفرك "الأستاذ" عينيه: كم الساعة الآن؟ للتو الثانية عشرة والربع بعد منتصف الليل! ما ظننتك تنام في مثل هذه الوقت! ثم تأتي المسألة السخيفة في محادثة طويلة دون مراعاة للوقت!

للشهرة محاسنها ومساوئها فمن الرائع أن يشتهر شخصٌ ما بخصلة جيدة يستفيد منها ويُفيد الناس. لكن الشهرة تؤذي أصحابها -في كل المجتمعات- دون استثناء! حتى الشخص المعروف له حياته الخاصة ومشاغله! وليس كل مشهور يسعى للشهرة ويطرب لها، إنما طبيعة الحياة تقتضي بروز شخصيات معروفة في المجتمع، وزاد في الطين بلة سهولة التواصل بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي؛ الهاتف المحمول والتطبيقات تلاحق بعض الناس وترهق حياتهم.

ضريبة الشهرة قد تكون كالتالي:
- فقدان الخصوصية.
- يَحكم على شخصيتك من يعرفك حقًا ومن لا يعرفك!
- صعوبة التخلص والتملص من التبعات.

عالم دين، طبيب، فاعل خير، مصلح اجتماعي، كلهم ينامون ويرتاحون مثل بقية الناس، وللتواصلِ آداب مثل آداب زيارة البيوت وحضور المجالس. أما إذا كنت مشهورًا فعليك تحمل تبعات الشهرة والنظر في الجانب الإيجابي منها. يحكي الماضي والحاضر حكاياتٍ جميلة عن أناس مشاهير حملوا مسؤولية الشهرة ولم يهربوا منها.

نجد مثلًا في كتب التراث أن أسيرًا استغاث بحاتم الطائي فقال له حاتم: لقد أسأتَ إليَّ حيث نَوَّهْتَ باسمي، وليس معي ما يفديك، ولستُ ببلاد قومي، ولكن طِب نَفْسًا، وجاء إلى الذي أسره فاشتراه منه بمائة ناقة، وفكّ القيد من رجليه وجعله في رجل نفسه، وقال: اذهب إلى أهلي، وأعطاه أمارة إليهم بالتسليم. مضى الرجل، وأقام حاتم في قيوده حتى عاد الرجل بالإبل، وأُطلق سراح حاتم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، الغرض من اختراع وسائل التواصل المحبة واللطف والتعارف والفائدة، وينبغي مراعاة الأدب فيها: لا نقلب نعمة التواصل المجانّ إلى "فضفضة"، لا ننزعج إذا لم يردّ على رسالتنا في ذات اللحظة أو لم يردّ عليها بالمرة! لا نعلم ما هي أعذار الناس! في اليوم والليلة 24 ساعة، نختار الوقت الأفضل للرسائل والمحادثات غير العاجلة!

لقد كان ليل السنين الماضية، قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أكثر راحةً وسكونًا وإزعاجًا! لا تخشى اتصالًا أو رسالة، من يحبك يعرف متى يزورك في دارك. الآن، في منتصف الليل، إمّا أن تغلق هاتفك وإلا لن تستطيع أن تغلق عينيك! إذا لم ترد يسألك: أين كنت البارحة يا صديقي؟ كيف لم تردّ على اتصالي؟!