يتساءل كُتّاب.. هل أصبح الاهتمام بالجوائز الأدبية أكبر من العناية بالصنعة الأدبية ذاتها؟
من اليمين الروائية الأكاديمية السورية شهلا العجيلي، والأديب والروائي السوداني أمير تاج السر، والروائية الليبية رزان المغربي (الصحافة العربية)
في الأعوام الأخيرة كثرت وانتشرت الجوائز الأدبية العديدة التي تبدو أنها نوع من الانتصار للأدب والكتابة الإبداعية، وتنوعت موضوعاتها بين رواية وقصة وشعر، وشهدت مشاركات من العديد من الأدباء والكُتّاب بمختلف انتماءاتهم، لكن هذه المشاركة الواسعة حملت في طياتها تساؤلات نقدية حول كينونتها وحقيقتها، وهل هي بالفعل تقدير للعمل الإبداعي أو ساحة قتال بين الكُتّاب لا يربح فيها الأدب؟
حقيقة وجود أدب جوائز
هل يمكن أن يكتب الأديب فقط من أجل نيل جائزة تم الإعلان عنها؟ يقول الروائي السوداني أمير تاج السر والذي ترشحت أعماله لعدد من الجوائز ونال جائزة كتارا لعام 2015، "في الحقيقة ظهور الجوائز الأدبية كان محورا مهما واختبارا كبيرا للكتابة الإبداعية، لن نقول إنه أفرز أدبا خاصا بالجوائز، ولكن لفت نظر كثيرين لم يكونوا من متعاطي الكتابة، وألهم بأن في الإمكان الحصول على جائزة، ومن ثم اتجهوا للكتابة من دون دراية، هذا زاد من عدد الإصدارات السنوية خاصة في مجال الرواية، كما حفز عددا من الكُتّاب المخضرمين للنشاط في مجال الورش الأدبية التي سيلتحق بها بعض الراغبين في التعلم".
وعن جودة هذه الإصدارات يقول تاج السر "معظمها لا تعدو مجرد خواطر حالمة بلا أي تأثير أو رؤى، أنا لا أسمي هذا أدب جوائز، بقدر ما هو محاولات يدعمها الحلم".
وفي السياق نفسه، علقت الروائية والأكاديمية السورية شهلا العجيلي على مشاركات المتقدمين لنيل الجوائز الأدبية قائلة، "يمكن أن نقول إنها أثارت الحماس لدى الكثيرين ممن لا يمتلكون الموهبة أو المعرفة أو كليهما معا، للكتابة، وبذلك تراكمت لدينا النصوص بهدف التقدم للجوائز، وضاعت للأسف نصوص جيدة في كومة الرداءة. كما أن معظم المتلقين الذين واجهتهم، لسوء الحظ، النصوص الرديئة في مقتبل قراءاتهم، عزفوا عن قراءة الرواية، أو أخذوا منها موقفا سلبيا".
أما الروائية الليبية رزان نعيم المغربي والتي سبق وترشحت لجائزة البوكر العربية فتؤمن بأن "الاهتمام بموضوع الجوائز الأدبية صار في بعض الأحيان أهم من الإنتاج الإبداعي، ربما في اللاوعي يحيل الجميع هذه الفكرة إلى صناعة النجم، وهي قادمة من العالم الأكثر شهرة، وهو صناعة السينما".
وتستدرك رزان بأن ذلك لا يعني أن الآداب بأجناسها المتنوعة لا تستحق التكريم والاحتفاء "بل هي أحد عناصر الفن السابع"، لكن الجوائز الأدبية وبالذات في عالمنا العربي شهدت اهتماما غير مسبوق بسبب عنصر الترجمة وقيمة المبلغ الممنوح والذي يعتبر جيدا، وأسلوب القوائم الطويلة.
الوقاية من التزييف والتزلف
وحول حماية العمل الإبداعي من الوقوع فريسة التزييف، والسمو بالمبدع من أن يقع ضحية التزلف لنيل المقابل تقول الروائية شهلا العجيلي، "لا يمكن لأحد أن يحمي المبدع سوى نفسه. على المبدع ألا يهتم سوى بمشروعه الثقافي الإبداعي، والجوائز تأتي لاحقا. الجوائز بحاجة إلى مبدعين حقيقيين وأعمال رفيعة، وإلا ستفقد قيمتها ومعناها بعد بضع دورات".
وتضيف "إن الجهات التي تحترم نفسها لن تقبل أن تكون ضلعا في تكريس الرداءة والفساد، وهي إن أخطأت أحيانا، فلا بد من أن تحدث (ترويكا) لبنيتها، وسيرورة عملها".
أما الروائي تاج السر فيلقي بالمهمة على كاهل الزمن ويعتبر حماية الإبداع أمرا غير ممكن "لأن لا أحد يستطيع منع أحد من الكتابة، كما أن كل ما يكتب مهما بلغت درجة رداءته، يجد من يقرؤه ويتغزل فيه، لذلك نعتمد على عامل الزمن الذي سيبقي الأعمال المميزة ويسقط تلك التي بلا معنى، أيضا السلوك الإنساني عموما، هو سلوك شخصي عند أي شخص، مبدعا كان أو غيره، ولا أحد يستطيع عمل شيء في موضوع البحث عن مال أو جاه، هذا شيء معروف منذ القدم".
وهذا يشبه ما تعتقده الروائية رزان المغربي التي تقول "لا يمكننا حماية الخلق الإبداعي بل هو مستحيل، وبالذات في بلداننا التي تأتي قراءة الأعمال الإبداعية في أسفل سلم احتياجاتها، والأهم أن الناشر ينظر إلى مهنته بصفتها صناعة، معظمهم يبحث عن الربح، وقلة من تهتم بالجودة".
وتضيف "لا حماية إلا بقوانين تحكم عملية النشر، وهي صعبة، يبقى الكتاب الرديء مثل العملة الرديئة يطرد الجيد ويتربع على سوق البيع، وأرباح الناشر وعدم خسارته، يعتبرها حقا طبيعيا، وهو من يقرر تلك المعايير الخاصة بالنشر".
النصوص الأدبية والمعايير المحددة
وحول إمكانية إخضاع النصوص الأدبية لمعايير فنية محددة أكدت شهلا العجيلي أن الإخضاع غير ممكن، "فيما عدا المعايير العامة أو الخصائص المحددة للفن الروائي بعمومه، أو الفن القصصي بعمومه، لذا تتحكم ذائقة أعضاء لجان التحكيم وثقافتهم، والتي قد تكون أقل من ثقافة الروائي، وقد لا يكون أعضاء اللجنة أصلا متكافئين ثقافيا، فتحدث عملية توافق، بحيث يتنازل قليلا عضو اللجنة الأكثر ثقافة ومعرفة عن معاييره الجمالية المعرفية، ليحدث رضاء أو توافق، وهكذا…".
فيما تفرق رزان المغربي ما بين المعايير الفنية والذائقة الشخصية بقولها، "المعضلة ليست في عدم وجود معايير سواء للتقدم لجائزة أدبية أو لطرحها على الأرصفة، بل لأن الأمر متعلق بالذائقة، فكما أن لجان التحكيم تتغير، وتتضارب آراؤها في اختيار الفائز، ويكون السبب ليس التقنيات الفنية واللغة الجيدة والفكرة غير المطروقة، بل لأن ذائقة عضو اللجنة تميل لعمل دون آخر، وهنا تكون المعايير الفنية مستوفيةً شروطها، أما الذائقة فهي شخصية ولا يمكن تحديدها بشروط".
مدى انضباطية لجان التحكيم
يتساءل الكثيرون عن انضباط لجان التحكيم بين مشكك في انتماءاتهم وذائقتهم وبين مؤمن بحياديتهم تقول رزان المغربي، "بالنسبة للجان تحكيم الجوائز، لا نستطيع أن نكون حراسا على النوايا، ربما يخفون تعصبهم وجهويتهم لفوز مبدع ينتمي لبلدانهم، لكن لا أتصور أن يكون هذا الأمر معلنا داخل جلسة التحكيم".
وتتابع "في الواقع حتى أكثر الجوائز قدما ورسوخا مثل نوبل لم تسلم من الاتهامات، التشكيك ونظرية المؤامرة، يحدث هذا، لأن الجائزة بشكل عام، تمنح الفائز تلك النجومية المفترضة، لكن يبقى السؤال هل يستطيع كل فائز أن يحافظ على نجوميته؟".
وعن البوكر مثالا تقول "لنكن منصفين، الجائزة في دوراتها الأولى تميزت من حيث تقديم أسماء جديدة، ثم بدأت الشكوك حول تلك المعايير الغامضة التي تعتمدها".
على النقيض من ذلك، يؤكد تاج السر ومن خلال تجربته كمحكم لجوائز أدبية أن "هناك التزاما كبيرا بمعايير الجودة لدى المتقدمين للجوائز، وربما تحصل بعض التقييمات الخاضعة للتذوق الشخصي، أي أن تكون هناك نصوص مستوفية لمعايير الجودة، ويَفصل هنا تذوق المحكم الشخصي، لكن عموما نتطلع دائما للنزاهة في اختيار المستحقين للجوائز".
وعن الجهوية في اختيار الفائز، تقول شهلا العجيلي "قد تكون الاستقطابات الجهوية الأقل. نعم هي موجودة، لكن تتفوق عليها استقطابات أخرى".