بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد
ونحن نعيش أجواء الحزن لمصاب سيد الشهداء عليه السلام في أرض كربلاء هذه الأرض التي طهرت بملامسة ترابها لجسد واحدا ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بضمها لذلك الجسد الزكي
نعرج بأرواحنا إلى مدينة الكوفة لنرى ما جرى على سفير الحسين وثقته وابن عمه مسلم بن عقيل عليه السلام ولنتتبع سيرة ذلك الإنسان منذ دخوله الكوفة وإلى أن قيد جسده بحبال ليسحب بها في الأسواق ليتبين لمن يبحث عن حقيقة المصائب التي وقعت على كل من ناصر الحسين سواءا في كربلاء أو في الكوفة ومدى الوحشية التي يتعاملون بها حكام بني أمية مع عترة المصطفى صلى الله عليه وآله ومن له علقة بهم من قريب أو بعيد
نعم لقد أرسل الحسين مسلما ليستطلع حقيقة ولاء أهل الكوفة له وليأخذ البيعة منهم وذلك بعد ما رأى كثرة الرسائل التي بعثت إليه من قبلهم والتي تدعوه إلى سرعة المجيء إليهم ليكونوا أنصارا له ينقادون تحت رايته ويسلمون له ويعملون بأمره من أجل الخلاص من الفساد الذي استشرى بسبب تولية يزيد بن معاوية خليفة على بلاد الإسلام
نعم لقد كانت لمسلم مكانة عظيمة في نفس الحسين نظرا لما يتمتع به من حنكة سياسية وعلم غزير وإيمان بالله جل وعلا وولاء خالص له ولأهل بيته لذا كان ثقته لأن يكون سفيره إلى أهل الكوفة
فلبى أمر إمامه وشد الرحال إلى هناك وحينما وصل تمت مبايعته واحتشد لذلك أكثر من ثلاثين ألفا منهم فلما رأى مسلم كثرة المبايعين أرسل إلى الحسين طالبا منه القدوم
وما هي إلا أيام وإذا بابن ازياد عليه ما عليه من اللعن قد دخل الكوفة ليقلب الأوضاع من خلال بث الرعب في نفوس الناس ليبعدهم عنه وقد تم له ما أراد فأخذ الأب يخوف ابنه والأخ يجبن أخيه إلى أن تفرق الجمع عنه وولوا الدبر
ليرى نفسه وحيدا فريدا غريبا في تلك المدينة التي أغلقت مداخلها وسككها من قبل جنود بن ازياد لمحاصرته حتى لا يتمكن من الخروج
فصار يتلفت يمينا ويسارا فلم يجد أحدا يدله على الطريق فاحتار في أمره بعد أن أجهده المسير في مدينة لا يعرف مسالكها يطارده فيها جنود الغي والعدوان فقادته رجلاه إلى حيث بيت من بيوت الكوفة فوقف بجانبه تائها محتارا قد أكظه العطش وبينما هو كذلك وإذا بإمرأة تفتح باب ذلك البيت فوفع بصرها عليه فسألته عن سب وقوفه على باب دارها فطلب منها شربة من الماء فأتت إليه بقدح فيه ماء فشربه وبقي واقفا فنادته يا عبد الله أوما شربت الماء فما بالك تطيل الوقوف على باب داري ، لا أحل لك الوقوف على الباب
لما سمع منها عدم حليتها له للوقوف على باب الدار أخبرها بغربته فسألته عن وطنه ومن يكون فأخبرها بأنه رسول الحسين فعرفته وضيفته في دارها طوال تلك الليلة وفي الأثناء أتى ابنها وكان ممن أضلهم الشيطان فأنساهم ذكر الله العظيم فرآها تكثر الدخول والخروج في إحدى الغرف فسألها عن الأمر فلم تخبره إلا بعد أن تعهد لها بأن لا يخبر أحدا ولما أخبرته ذهب مسرعا إلى قصر الإمارة ليخبر ابن زياد بخبر مسلم راجيا بذلك حفنة من الدنانير التي سيحترق بها في نار جهنم
فلما سمع ابن زياد بالأمر جيش جيشا قوامه خمسمائة من المدججين بالسلاح بقيادة بن الأشعث ليأتوا بمسلم حيا أو ميتا فذهب الجيش وحاول الهجوم عليه وهو في دار طوعة إلا أنه عاجلهم بالخروج من الدار وقاتلهم قتال الأبطال ففروا من بين يديه وأرسل قائدهم إلى ابن زياد طالبا المدد فأجابه لقد أرسلتكم إلى واحد وعمل بكم ما عمل فكيف لو أرسلتكم إلى من هو خير منه ليأتيه الجواب إنك لم ترسلنا إلى بقال من بقاقلة الكوفة وإنما أرسلتنا إلى أسد من أسود بني هاشم فزودهم بخمسائة فارس ليشتد القتال
ولما رأوا أنهم لا يقدرون عليه أعطوه الأمان فلم يقبل أمانهم حينها حفروا له حفيرة وغطوها بجريد النخل وأخذوا يقاتلونه إلى أن وصلوا به إلى الحفيرة فوقع فيها فتكاثروا عليه بسيوفهم فضرب على وجهه ومن قبل ابن الأشعث عليه لعائن الله فوصلت الضربة إلى شفتيه فشجتا وسالت الدماء منها وأوثقوه قيدا وأخذوه أسير إلى بن زياد فلما دخل عليه لم يسلم فقال له أحدهم لم لم تسلم على الأمير فأجابه إنه ليس لي بأمير فلما سمع بن زياد ذلك قال له لا يهم سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول لا محالة فاشتد بينهما الكلام فغضب اللعين وأمر به إلى سطح القصر لحز رأسه ورمي جثته فصعدوا به إلى سطح القصر واحتزوا رأسه ليسقط على الأرض ويلحقوا به ذلك الجسد الطاهر ومن ثم قيدوه من رجليه وأخذوا يسحبونه في سكك الكوفة وأسواقها
سلام على سفير الحسين الذي حمل الأمانة وأدى الرسالة وجاهد أعداءه غريبا محتسبا واستشهد مظلوما صابرا ونال الخلود الأبدي راضيا مرضيا بجوار النبي الأكرم والأمير المكرم والزهراء البتول والحسن سبط الرسول
نسألكم الدعاء