11, Apr, 2013
ما الذي كان يمكن فعله بصورة مغايرة في العراق؟
السعودية ناشدت جيمس بيكر دعم الانتفاضة الشيعية في جنوب العراق وذلك على عكس الاعتقاد السائد بأن التقاعس الأميركي كان بسببها

بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الاميركي السابق

في مناسبة الذكرى السنوية العاشرة لغزو العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وضمن مجموعة المقابلات والمقالات والتحليلات ذات الصلة بهذه المناسبة، يدلي اليوم بدلوه في الموضوع بول وولفويتز، الذي كان قبل عشر سنوات نائب وزير الدفاع الأميركي. ومعلوم أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لعبت خلال عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن دورا محوريا في بلورة السياسة الخارجية الأميركية، ولا سيما في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وكان وولفويتز شخصيا في طليعة الداعين إلى إسقاط الرئيس العراقي السابق بعد شن الحرب على تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان. كذلك تجدر الإشارة إلى أن وولفويتز، الدبلوماسي والخبير الاستراتيجي البارز، كان يعد من ألمع وجوه تيار «المحافظين الجدد»، الذي كان يحسب في مقدم «صقور» السياسة الخارجية والدفاعية الأميركية. وفي هذه المقالة يشرح وولفويتز الأسباب التي بررت لواشنطن مهاجمة العراق وإسقاط صدام، ويجادل بأن التخلص من حكم الرئيس العراقي السابق كان في مصلحة منطقة الشرق الأوسط، ناهيك من مكونات الشعب العراقي، بخلاف من يرون أن الحرب على العراق أدت إلى فراغ خطير استغلته إيران. وهو يعتبر أن جزءا من المسؤولية في اقتراب نظام الحكم الحالي في بغداد من طهران يعود إلى سلبية جيران العراق من النظام الحالي، وليس من الفراغ الناتج عن إسقاط صدام. غير أنه في المقابل، يتطرق إلى ما يعتبرها أخطاء ارتكبتها الإدارة الأميركية، وإدارات سابقة في الملف العراقي.
قد يستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن ندرك نتائج الحرب على العراق. ولكي يمكننا إدراك ذلك، علينا أن نفكر مليا في حقيقة أنه جرى التوقيع على الهدنة الكورية قبل 60 سنة، ومع ذلك عانت كوريا الجنوبية لعقود من الزمان بعد ذلك. وحتى بعد مرور 30 سنة، ما كان أكثر المتفائلين يتوقع حقا أن تتمتع كوريا الجنوبية كما تتمتع اليوم بأحد أكثر اقتصادات العالم نجاحا، علاوة على امتلاكها نظاما سياسيا ديمقراطيا نجح في إجراء 6 انتخابات رئاسية حرة ونزيهة على مدى السنوات الـ25 الماضية.
وبالمثل، قد يستغرق الأمر سنوات كثيرة قبل أن تتكوّن لدينا صورة واضحة عن مستقبل العراق، لكننا نعرف بالفعل أمرين مهمّين: الأول، أن العراق تخلّص من ديكتاتور بغيض، جنبا إلى جنب مع نجليه اللذين كانا يتسمان بالقدر نفسه من الوحشية والدموية، وهو ما أعطى الشعب العراقي فرصة لبناء شيء جديد هو تأسيس سلطة تمثيلية تعامل شعبها كمواطنين وليس كأشياء، أما الأمر الثاني الذي نعرفه أيضا فيتمثل في أن الأميركيين لم يأتوا إلى العراق لنهب نفطه أو استعباد شعبه، بل جاءوا للتخلص من نظام كان يمثل تهديدا للولايات المتحدة، وقدّموا تضحيات كبيرة وقاتلوا إلى جانب العراقيين في صراع دموي ضد قوى الظلام التي كانت تسعى لإعادة البلاد إلى الاستبداد الوحشي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه نادرا ما يُشاد بالعراقيين لدورهم البطولي في هذا النضال، ولكن يجب أن نذكّر بأن نحو 10 آلاف من أفراد قوى الأمن العراقية لقوا حتفهم في تلك المعركة (أي ما يعادل ضعفي إجمالي القتلى الأميركيين)، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين.

في الحقيقة، لا تكفي كلمة «شرير» لوصف صدام حسين، الذي يستحق كلمات أقوى من ذلك بكثير لتعبّر عما كان يرتكبه. وعندما يقول الأميركيون: «نعم، كان صدام حسين رجلا شريرا، لكن العالم مليء بالأشرار»، من الواضح إذن أنهم لا يعرفون الكثير عن صدام حسين. فبعدما أقدم صدام على غزو الكويت، حدثني قادة عرب في المنطقة عن شريط فيديو قام هو بتوزيعه على القادة في جميع أنحاء منطقة الخليج يظهر خلاله وهو في قاعة مجلس الشعب العراقي يوم تنصيبه رئيسا، وهو ينادي أسماء «الخونة» في الغرفة، ثم يصار إلى استدعائهم إلى الخارج حيث يُعدمون على الفور.
كنت أعرف، بالطبع، عن شهية صدام للعنف والحرب التي شنها على إيران وأودت بحياة نحو مليون شخص، ثم غزوه الغاشم للكويت، كما كنت قد قرأت الكتاب الرائع لكنعان مكية الذي يحمل اسم «جمهورية الخوف».
كذلك علمت أن صدام تحدّث مع أحد سفرائنا في بغداد باحتقار عن الولايات المتحدة، ووصفها بأنها «مجتمع لا يتقبل 10000 قتيل في معركة واحدة». ومع ذلك، كنت أجد صعوبة كبيرة في تصديق أن زعيم أحد أهم البلدان في العالم العربي يتعامل مثل زعماء «المافيا» ويتباهى بقسوته.
بعد تحرير بغداد، قبل 10 سنوات، بدأت نسخ من ذلك الشريط البشع تظهر وتباع في الأسواق، جنبا إلى جنب مع بعض تسجيلات أخرى تُظهر مدى اعتماد النظام على الإرهاب، منها ما يبدو وكأنه شريط تدريبي لمجموعة «فدائيي صدام» ويظهر خلاله بعض الأشخاص وهم يُرمون من أبنية مرتفعة لأنهم عصوا الأوامر، أو تكسّر أذرعهم خلال التدريبات مع «رفاقهم» من المجموعة! وفي سجن أبو غريب، عثر على بعض المعتقلين السياسيين الذين دفنوا في قبور قليلة العمق، وكانوا قد قتلوا برصاص الحرّاس الفارين من زحف القوات الأميركية.
وداخل السجن، كانت هناك أيضا منصتا إعدام، لأن عمليات الشنق كانت حدثا متكررا. كذلك وفي جنوب العراق، وجدنا الأراضي الصحراوية الشاسعة التي كان صدام قد كوّنها عن طريق تجفيف الأهوار من أجل القضاء على عرب الأهوار الذين عاشوا في تلك الربوع منذ أكثر من 4 آلاف سنة، وهذه جريمة إبادة كانت ستتم فصول فيما لو بقي صدام في السلطة. وأخيرا وليس آخرا، هناك المقابر الجماعية التي تعدّ سجلا تاريخيا مروّعا لذلك النظام، بالإضافة إلى كونها استشرافا لما كان ربما سيحدث إذا استمر صدام وابناه في السلطة.
في الواقع، كانت تكلفة التخلّص من صدام حسين باهظة للغاية، سواء من حيث عدد الضحايا العسكريين والمدنيين أو من حيث النفقات الهائلة للحرب، غير أن صدام كان مصدر خطر واضحا على الشعب العراقي وعلى المنطقة برمتها، وما كان لحكمه أن ينتهي بصورة سلمية، أو حتى بوفاته، نظرا لأن نجليه كانا سيتوليان السلطة وينقلانها لجيل آخر.
ومع أن «مجموعة مسح العراق» التي أعدت التقرير النهائي بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق، لم تستطع العثور على مخزون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي كانت جميع وكالات الاستخبارات الأجنبية تعتقد بوجودها، فإن هذه المجموعة خلصت إلى أن صدام خطط لإعادة بناء قدراته من أسلحة الدمار الشامل فور تمكنه من تحرير نفسه من العقوبات المفروضة عليه. وعلاوة على ذلك، كان صدام يشكل خطرا أكثر إلحاحا، إذ إن الإرهابيين، بمن فيهم «أبو مصعب الزرقاوي»، كانوا قد بدأوا بالفعل العمل من داخل الأراضي العراقية للتخطيط لشن هجمات إرهابية في أوروبا والشرق الأوسط.
اليوم، بمقدور الأميركيين والعراقيين (وأعضاء التحالف الآخرين) الذين دفعوا ثمن الإطاحة بذلك الطاغية - وأحبائهم الذين دفعوا هذا الثمن معهم - أن يعتزوا بذلك الإنجاز المتمثل في قتال أولئك الذين كانوا يسعون إلى تدمير إمكانية وجود عراق جديد. ومع أن المتمردين والعصاة عادة ما يتظاهرون بأنهم يقاتلون من أجل مستقبل أكثر إشراقا للشعب، فإن هذه المجموعة من إرهابيي «القاعدة» والأعضاء السابقين في الأجهزة الأمنية لصدام والميليشيات المدعومة من إيران لا تقدم شيئا سوى الموت والدمار لزرع الخوف في نفوس أبناء الشعب العراقي. وما كان التحالف الذي قادته الولايات المتحدة أو قوات الأمن العراقية هي التي قادت السيارات المفخخة لتفجيرها أمام المساجد، أو أقدمت على تفجير القنابل عشوائيا في الشوارع والطرق.
من ناحية ثانية، غدا من المألوف الآن القول إن صدام كان يمثل الثقل المقابل أو الموازن لإيران في المنطقة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل كان ذلك ذا فائدة عندما بدأ صدام الحرب على إيران التي أودت بحياة نحو مليون شخص، بما في ذلك الاستخدام المكثف للأسلحة الكيماوية؟
هل كان يحقّق التوازن مع إيران عندما غزا الكويت بعد سنوات قليلة؟
ثم لو كان صدام ما زال في السلطة اليوم، أما كان من المرجح أن يمد يد العون لبشار الأسد، خوفا من أن يؤدي نجاح الثورة السورية لأن تصبح مصدر إلهام للعراقيين للثورة ضده، أو أن يدعم الثوار الذين يشاركونه العداء للولايات المتحدة ولجيرانه العرب؟ كان مستبعدا تماما احتمال لعبه دور الوساطة لحل الصراع السوري.
ثمة كثير من الأشياء التي يمكن للمرء أن يتمنى لو حدثت بشكل مختلف في العراق.
حتى أولئك الذين أيدوا الحرب قد يكون لديهم عدد من التحفظات على ما حدث ويتمنون لو كانت الأمور قد حصلت بشكل مغاير. وأنا شخصيا أتحفظ على إقدام الولايات المتحدة على تشكيل «حكومة احتلال» بدلا من تسليمها السيادة للعراقيين منذ البداية، وعلى التأخر لمدة 4 سنوات في تنفيذها استراتيجية مكافحة التمرد. لقد كان واضحا حقا، بعد فترة وجيزة من وصولنا إلى بغداد، أن العدو يسعى لتحقيق استراتيجية قائمة على شن «حرب عصابات» في المناطق الحضرية - من أجل منع تشكيل حكومة عراقية جديدة إلى حين رحيل الأميركيين، وكان من الواجب الاعتماد على استراتيجية مكافحة التمرد في وقت أقرب بكثير.
مع ذلك، لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تأسف على «فشلها» في تنصيب ديكتاتور جديد بديل في العراق لاستعادة الاستقرار الزائف القديم. بل على العكس، بعد الإطاحة بصدام حسين بدافع الخوف على أمننا، ما كان سيُغفر لنا حرمان العراقيين من فرصة تقرير مصيرهم واختيار من يحكمهم.
ولكن، في المقابل، ما كان يقتضي تقديم اعتذار أميركي حقيقي، وهو ما فعله السفير الأميركي لدى العراق جيم جيفري في خريف عام 2011، هو الإحجام عن مساعدة انتفاضة الشيعة عام 1991 في أعقاب إلحاق الهزيمة بصدام حسين في الكويت. عندما استخدم صدام الهليكوبترات الحربية للقضاء على الثوار، لم تساعدهم الولايات المتحدة حتى بسحب التصريح الممنوح للجيش العراقي باستخدام الهليكوبترات، وكان صدام قد كان قد حصل عليه بذريعة أنه أمر ضروري بسبب الدمار الذي لحق بعدد كبير من الجسور.
كان في مقدور الولايات المتحدة، وبسهولة، منع هليكوبترات صدام حسين الحربية من التحليق، ومنع مدرعات جيشه من التقدم في حوض نهر الفرات لسحق حركات التمرد في البصرة والمدن الأخرى وذلك من دون الحاجة إلى التقدم ولو لكيلومتر واحد داخل الأراضي العراقية، وهو ما كان سيمثل خطرا أكبر على القوات الأميركية.
وقبل ذلك ببضعة أيام، كفّت الولايات المتحدة عن مهاجمة القوات العراقية أثناء فرارها من الكويت حتى تتفادى وقوع خسائر بشرية كبيرة في «طريق موت»، لكنها تسبّبت بـ«طريق موت» آخر أكبر بسماحها للحرس الجمهوري التابع لصدام بالتحرك نحو الجنوب بلا عوائق لقمع الانتفاضة.


وبعكس الاعتقاد السائد، فإن هذا التقاعس الأميركي لم يكن ناتجا عن الضغوط السعودية، فإنني عندما رافقت وزير الخارجية جيمس بيكر، في أول رحلة خارجية له إلى منطقة الخليج بعد وقف إطلاق النار، سمعت وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، والسفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان، وهما يناشدان بيكر دعم الانتفاضة الشيعية!!!!!.


وبعد ذلك بشهر، قادت الولايات المتحدة أخيرا قوة متعددة الجنسيات من المشاة إلى شمال العراق، لتوفير ملجأ للأكراد. ولكن في ذلك الحين، كان الوقت قد تأخر كثيرا بالنسبة لشيعة الجنوب. فقد قمعت محاولتهم تحرير أنفسهم على نحو أكثر وحشية مما يفعله الأسد في سوريا أخيرا. وبالتالي، لو كانت الولايات المتحدة قد تدخلت بسرعة للمساعدة في تحرير الجنوب والشمال أيضا، لكان صدام حسين قد خُلع، وكان العراق قد تحرّر بأيدي أبنائه، من دون تلك السنوات الكثيرة من المعاناة، ثم الحرب الأخيرة المكلفة.
مع الأسف، كان هذا الموقف السعودي الكريم تجاه العرب الشيعة في العراق منذ 20 سنة غائبا عن سياسات ومواقف دول جوار العراق خلال العقد الماضي. ففي أفضل الأحوال كانت تلك الدول تتصرف وكأنها تأمل في استعادة الأقلية السنّية العربية هيمنتها على العرب الشيعة والأكراد، وفي أسوأ الأحوال كانت تلك الدول تساعد في إثارة العنف نيابة عن «المقاومة» المزعومة أو تسمح للانتحاريين، وذلك في حالة سوريا، بالعبور لقتل مدنيين عراقيين.
أما بالنسبة إلى بعض دول الخليج التي كانت ترغب في أن يسود السلام المنطقة ويشكّل العراق قوة توازن قوة إيران، فإن موقفها اتسم بقصر النظر. فحتى الذين لديهم حنين لما يطلق عليه «الاستقرار» الذي كان صدام حسين يوفره، عليهم أن يدركوا أنه لا سبيل للعودة إلى الوراء. الطريق الوحيد لعراق مستقر يعيش في سلام مع جيرانه هو عبر وجود حكومة عراقية شاملة لمختلف الأطياف تستطيع اكتساب ثقة المواطنين. والطريق لإبقاء العراق خارج سيطرة إيران هو دعم الحكومة العراقية الجديدة، وليس النأي عنها.
هذا النأي، وليس محبة الإيرانيين، هو ما دفع العراق إلى الاقتراب من إيران. وكما أوضحت القيادات السعودية لبيكر قبل أكثر من 20 عاما، فإن شيعة العراق ليس لديهم أي رغبة في أن يصبحوا تابعين لطهران، ولكن عندما يعيش المرء في منطقة خطرة، قد يضطر إلى التقرب من جار سيئ إذا لم يحصل على مساندة أصدقائه.
ولم تكن دول مجلس التعاون الخليجي وحدها بين الدول التي نأت بنفسها عن بغداد. فخلال السنوات الأخيرة، كانت الولايات المتحدة تفعل الشيء نفسه. وكان ذلك النأي واضحا قبل 4 سنوات، في أعقاب التفجيرات الثلاثة المتزامنة التي وقعت في 19 أغسطس (آب) 2011، والتي ضربت وزارة الخارجية العراقية ووزارة المالية وفندق الرشيد، حيث كان من المخطط أن يحضر رئيس الوزراء المالكي مؤتمرا. وعندما رفضت سوريا تسليم متهمين يعتقد المالكي أنهما وراء هذه الهجمات، فإنه بادر إلى سحب سفيره في دمشق وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بالتحقيق في التدخل السوري في العراق. ولكن الإدارة الأميركية الجديدة بذلت جهودا للتواصل مع سوريا، وفي 26 أغسطس (آب)، قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية: «نحن نعتبر ذلك أمرا داخليا.. ونأمل أن لا يعرقل ذلك الحوار بين الدولتين».

ومن جهة أخرى، يبدو أن الإيرانيين لم يتردّدوا في التدخل، إذ كانوا يضغطون على الرئيس جلال طالباني للتخفيف من انتقاد سوريا. وبالتالي، ليس مستغربا أن يتجاهل المالكي حاليا المناشدات الأميركية له بأن يخاطر بإعلان معارضته للأسد وحلفائه الإيرانيين.
وفي هذا الصدد، على الرغم من أن ذلك تأخر بالفعل، فإن تشكيل تحالف يتضمن العراق لإنهاء النزاع الدموي في سوريا وتوفير دعم دولي لحكومة سورية جديدة لم يصبح مستحيلا بعد. لكن ذلك يتطلب «قيادة» أميركية حقيقية بدلا من أن تلعب الولايات المتحدة دورا «خفيا»، كما فعلت في ليبيا.
لقد أصبح الوقت متأخرا للغاية بالنسبة لعشرات الآلاف من السوريين الذين ماتوا، ومتأخرا أيضا لتجنب بعض العواقب المدمّرة على المدى البعيد، ولكنه ما زال من الممكن أن تشارك الولايات المتحدة وأوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي للمساعدة في وضع العراق على طريق الحوكمة المسؤولة والشاملة.
ربما يبدو ذلك هدفا غير واقعي في الوقت الراهن، لكنه سيبدو أكثر واقعية إذا ما تذكرنا وضع العراق بين الأمس واليوم. من أكثر الزعماء العراقيين الذين أعرفهم إبهارا، هو رجل كان محظوظا بتمضية أكثر من عقدين خارج قبضة طغيان صدام، وقد قال لي ذات مرة إنه صُعِق عندما اكتشف إلى أي حد يشبه العراق، عندما عاد إليه، طفلا فقد لفرط ما تعرض إليه من سوء المعاملة أي ثقة في ذاته وفي الآخرين. لقد ترك سوء المعاملة هذا ندوبا عميقة للغاية أعمق من تلك التي خلفها الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية؛ إذ ما زالت ندوب الشيوعية السوفياتية ماثلة حتى بعد مرور نحو عقدين على سقوط «جدار برلين». عند التفكير في هذا التحدي، نجد أن العراق أبلى بلاء حسنا وبشكل واضح. ثم إنه ليس العراق وحده الذي يحمل ندوب الماضي التي ينبغي عليه تجاوزها، بل يشاركه في ذلك دول عربية أخرى عانت عقودا من الظلم. وسيستغرق هذا وقتا طويلا، مثلما حدث مع كوريا والولايات المتحدة.
لقد احتاجت دول كثيرة إلى وقت طويل قبل أن تنفض عن نفسها الحكم الاستبدادي وتتجه نحو نظام حكم يمثل الشعب. ولعل تحقيق ذلك يحتاج إلى (ويستحق) مساعدة الولايات المتحدة وكل الدول الديمقراطية الغربية وكل دول جوار العراق الذين يريدون السلام لهذا الجزء المضطرب من العالم.

بول وولفويتز... الأكاديمي والسياسي وأحد رموز «المحافظين الجدد»
أحد أبرز الأسماء التي لمعت في فترة التحضير لغزو العراق عام 2003 كان اسم بول وولفويتز. في تلك الحقبة كان وولفويتز من الناحية الرسمية نائب وزير الدفاع، وكان رئيسه المباشر وزير الدفاع دونالد رامسفلد. غير أن وزن وولفويتز السياسي وأهميته من الناحيتين الآيديولوجية والأمنية كانا أهم بكثير من منصب «نائب وزير». وهذا، حتى لو كان نائب وزير الدفاع في حقبة تولت فيها وزارة الدفاع (البنتاغون) أمر الإعداد للحرب من ألفها إلى يائها، إبان تصاعد نفوذ «المحافظين الجدد» - ومنهم وولفويتز ودوغلاس فيث وديفيد وورمزر - في عهد إدارة جورج بوش الابن السياسية، على حساب «الجمهوريين التقليديين» المعتدلين النافذين في عهد أبيه جورج بوش الأب، وعلى رأسهم جيمس بيكر والجنرال برنت سكوكروفت.بول وولفويتز، شخصية يكاد يجمع كل من عرفها على تمتعها بالذكاء الحاد وتعدد المواهب، ويشهد على ذلك تقلبه في عدد من المناصب الدبلوماسية والإدارية السياسية والأكاديمية.
ولد وولفويتز في مدينة نيويورك في أواخر عام 1943، وتخرج في جامعة كورنيل المرموقة بريف ولاية نيويورك، حاملا درجة البكالوريوس في الرياضيات عام 1965، وفي عام 1972 نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة مرموقة أخرى هي جامعة شيكاغو.
وكان في شبابه مثل كثيرين من الشبان اليهود الأميركيين المثقفين ناشطا في الحزب الديمقراطي، وظل ديمقراطيا حتى عام 1981 عندما انتقل مع أترابه المتأثرين بفكر «المحافظين الجدد» – الذين كانت جامعة شيكاغو من أهم معاقلهم – إلى الحزب الجمهوري. وصار أحد ألمع وجوهه ووجوه ذلك التيار.
بدأ حياته السياسية والمهنية في وزارة الخارجية الأميركية في مطلع الثمانيات مديرا لقسم التخطيط السياسي بين 1981 و1982، ثم عين مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأقصى وحوض المحيط الهادي حتى 1986. بعدها عين سفيرا لدى إندونيسيا بين 1986 و1989، وبين 1989 ومطلع 1993 عين وكيلا لوزارة الدفاع لشؤون السياسات، وثم عين نائبا لوزير الدفاع بين 2001 و2005. وبين 2005 و2007 تولى رئاسة البنك الدولي.
وخارج نطاق العمل الحكومي تولى وولفويتز، وهو مطلق وأب لولد وابنتين، منصب عميد معهد بول نيتزه للدراسات الدولية المتقدمة التابعة لجامعة جونز هوبكنز.