التفاتة: من محاسن وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الآونة تبادل الرسائل الصباحية مع الأصدقاء التي في بعضها جمل ومقاطع أدعية مأثورة عن النبيّ محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وعن شخصيات إسلامية وآيات مختارة من القرآن الكريم. بعض المقاطع تلامس شغاف القلوب وتبدأ اليوم بحديث الأرواح.
نثرثر ونحكي مع بعضنا ساعات عديدة في اليوم الواحد من دون جدوى، سوى التسرية عن النفس، ونغفل عن الكلام مع الله سبحانه وتعالى اللهم إلا من دقائق معدودات -إن حصلن- في اليوم كله بضيائه وظلامه. عرفنا لذّة الكلام مع الأصحَاب وغفلنا عن الحديث والكلام مع الصاحب الأوحد. اشتهر من أهل البيت الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -عليهم السلام- بكثافة الدعاء والمناجاة ودون له مقاطع دعاء بديعة منها المقطع التالي في مقام الاعتراف بالذنب وطلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى:
"يا إلهي لو بكيتُ إليك حتى تسقط أشفارُ عيني، وانتحبت حتى ينقطع صوتي، وقمتُ لك حتى تنتشر قدماي، وركعتُ لك حتى ينخلع صلبي، وسجدتُ لك حتى تتفقأ حدقتاي، وأكلتُ تراب الأرض طول عمري، وشربتُ ماء الرماد آخر دهري، وذكرتكَ في خلال ذلك حتى يكل لساني، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك ما استوجبت بذلك محو سيئةٍ واحدة من سيأتي. وإن كنتَ تغفر لي حين أستوجب مغفرتك، وتعفو عني حين أستحق عفوك، فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق، ولا أنا أهل له باستِيجاب، إذا كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار، فإن تعذبني فأنت غير ظالم لي". يستطيع القراء الكرام الرجوع إلى كامل النص.
كلام لا يدع في النفس شكًّا أن رفع الصوت بدعاء يمازجه الإقرار بالذنب وطلب العفو والاقتراب من الجنة والابتعاد عن النار من سمات العارفين بالله سبحانه وتعالى. أُثر عن الإمام علي بن الحسين -عليه السلام- خمس عشرة مناجاة والمناجاة في مفهوم المسلمين هي توجيه الكلام إلى الله في السرّ وإظهار الخشوع له والعبادة سرًّا. أما الدعاء فهو النداء والدعوة وطلب المساعدة والمدد من الله سبحانه وتعالى.
وهبني الله سبحانه وتعالى أربعًا وعشرين ساعة في اليوم أصرف منها في شؤون الروح ساعة واحدة وربما أقل والباقي يضيع مني هباءً! كيف لا تصاب روحي بالتصحر والجفاف؟ أناس يكلمهم الله وآخرون يكلمون الله في ظلمة الليل والكل رابح:
إِلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي .. مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّي
وَما لي حيلَةٌ إِلّا رَجائي .. وَعَفوُكَ إِن عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنّي
فَكَم مِن زِلَّةٍ لي في البَرايا .. وَأَنتَ عَلَيَّ ذو فَضلٍ وَمَنِّ
إِذا فَكَّرتُ في نَدَمي عَلَيها .. عَضَضتُ أَنامِلي وَقَرَعتُ سِنّي
يَظُنُّ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي .. لَشَرُّ الناسِ إِن لَم تَعفُ عَنّي