الثقب الأسود المرصود يقع على بعد نحو 7.5 مليارات سنة ضوئية من الأرض (ناسا)
اكتشف مجموعة من علماء الفلك شعاعين هائلين من الطاقة انبعثا بسبب نشاط ثقب أسود فائق الكتلة في مجرة بعيدة، محطمين الرقم القياسي لأطول النفاثات المرصودة حتى الآن، إذ يمتد طول الشعاعين حوالي 140 ضعف قطر مجرة درب التبانة.
يقع الثقب الأسود المرصود على بعد نحو 7.5 مليارات سنة ضوئية من الأرض، وبما أن الضوء يستغرق وقتا للسفر بسرعة هي القصوى في الكون، فإن ما تم رصده يمثل مشهدا من الماضي السحيق عندما كان عمر الكون أقل من نصف عمره الحالي، المقدر بنحو 13 مليار سنة، وفقا لبعض الشواهد الفلكية التي يستند إليها الفلكيون.
وحوش مظلمة
تحتوي الثقوب السوداء على كتلة هائلة ضمن نطاق مكاني ضيق، مما يجعلها أجراما سماوية ذات كثافة هائلة جدا، بقوة جذب شديدة إلى درجة أن الضوء نفسه لا يستطيع الهروب إذا وقع داخلها، تحديدا في منطقة تُعرف بـ"أفق الحدث".
معظم المجرات تحتوي على ثقوب سوداء عملاقة بالمركز (ناسا)
وتحتوي معظم المجرات العملاقة، بما في ذلك مجرتنا درب التبانة، على ثقوب سوداء فائقة الكتلة في مراكزها، وتطلق بعض هذه الثقوب السوداء طاقة هائلة تُعرف بـ"النفث الفلكي"، وهي تدفقات من المادة المتأينة تنطلق من مراكز بعض المجرات النشطة والنجوم الزائفة على شكل شعاعين يمتدان على طول محور الدوران. هذه النفاثات لا تنطلق من الثقب الأسود نفسه، ولكن بسبب التزاحم الشديد للمادة حوله، والتي تتجهز للسقوط فيه.
ويصل طول هذه النفاثات إلى آلاف وملايين السنين الضوئية، وينتج ذلك من عملية ابتلاع الثقوب السوداء للنجوم الضخمة، وتكشف الدراسة، المنشورة في دورية "نيتشر" أن طول الشعاع النفاث المكتشف يبلغ حوالي 23 مليون سنة ضوئية، وتم رصده بواسطة تلسكوب الراديو (LOFAR).
النفاثات بين المجرات
تتكون النفاثات شديدة الحرارة من جسيمات دون ذرية، مثل الإلكترونات والبوزيترونات، إلى جانب مجالات مغناطيسية، وتتحرك الجسيمات بسرعة تقارب سرعة الضوء نتيجة للنشاط الشديد المحيط بالثقب الأسود، كما يطلق الفلكيون على هذه النفاثات اسم "بورفيريون"، نسبة إلى أسطورة يونانية قديمة كانت تتميّز بضخامتها.
وأوضح عالم الفيزياء الفلكية مارتن هاردكاسل، المشارك في الدراسة، في بيان صحفي نشرته جامعة هيرتفوردشير البريطانية التي أعلنت عن الكشف، أن هذه النفاثات تتشكل عندما تسقط مادة ممغنطة في ثقب أسود دوّار، وللحفاظ على طول الشعاع الهائل، يجب أن يستمر الثقب الأسود بابتلاع مادة بمعدل يساوي كتلة شمسية واحدة سنويا.
لا تمكن رؤية النفاثات مثل "البورفيريون" بالعين المجردة، إذ إنها تتطور مع مرور الزمن، وما يجعل هذه النفاثات مميزة هو أنها تحتاج إلى نشاط مستمر مزدحم حول الثقب الأسود العملاق لمدة تقارب المليار عام لكي تتشكل، كما تمتد معظم النفاثات إلى ما يتجاوز مجرتها المضيفة، مطلقة طاقة تعادل طاقة تريليونات النجوم بكتلة الشمس.
كما يمكن لهذه النفاثات نقل الطاقة والجسيمات والمجالات المغناطيسية إلى الفراغ الكوني الموجود بين المجرات، وتؤثر هذه الظاهرة على تسخين الغاز في الفضاء بين النجوم، مما يحد من تكوّن نجوم جديدة، نظرا إلى أن الأمر يتطلب سحبا غازية باردة بدلا من أن تكون ساخنة، كما لا توجد أي أدلة على أن الثقب الأسود الواقع في مجرتنا درب التبانة المعروف باسم "الرامي أ*" يُطلق أيا من النفاثات في الوقت الحالي.