«أنا هويت وانتهيت وليه بقى لوم العزول».. كلمات تغنى بها إمام الملحنين سيد درويش، ليصف بها حبه لـ«جلية»، محبوبته السكندرية، وجسدتها الفنانة هند رستم في الفيلم الذي تناول سيرة فنان الشعب الراحل. لم تكن جليلة المرأة الوحيدة في حياة درويش لكنها الأكثر شهرة وتأثيرا عليه، ومنها استلهم العديد من الأغنيات، لعل أشهرها «أنا هويت«.
حياة سيد درويش
«قالوا لي أهو جنة رضوان واخترت أنا جنة فردوس»، أغنية ذكر فيها درويش اسم اثنين من النساء في حياته، فكانت رضوان وفردوس غانيتان، ارتبط معهما في علاقة عاطفية، فكان بهذه الكلمات يبرهن على حبه لفردوس وأنها صاحبة المقام الأول في قلبه.
ولم يكن سيد درويش ملحنا أو مغنيا عاديا، بل كان بمثابة مجدد للموسيقى في مطلع القرن العشرين، فبرغم رحيله في سن 31 عاما إلا أنه ترك أثرا لا يمحوه الزمن، بأغنيات ثورية ووطنية جسدت مرحلة هامة في تاريخ مصر، إبان ثورة 1919، وموشحات وطقطوقات عاطفية عبرت عن الشوق والهجر والحب، كان الكثير منها يصف بها درويش عما يفيض في قلبه من مشاعر.
ولد سيد درويش في 17 مارس 1892، تزوج للمرة الأولى وكان في عمر 16 عاما، وأنجب في سن صغيرة، وفي بداية مسيرته الفنية عمل في الفرق الموسيقية والمسارح الشعبية، ومنها انطلق فنيا بموهبته الفطرية ليذاع صيته حتى وصل إلى مسامع رائد المسرح الغنائي الشيخ سلامة حجازي عام 1914، لكنها تلك المرحلة التي بدأت تزداد علاقاته النسائية.
حياة صبري
وكانت السيدة عزيزة محمد الشهيرة بـ«زوزو كايدة العوازل» زوجته الثانية، وغنى لها «حلوة يا زوزو يا كايدة الأعادي»، وفقا لما قالته لمجلة «آخر ساعة» عام 1959، مضيفة: «الشيخ سيد عندما رآها لأول مرة غنى لي لحنا ربط قلبي به، يقول فيه: تركت أهلي وملت لك والناس بتعطف ع الغريب»، فيما وصفت حبه لجليلة بأنها «كانت كالميكروب الذي تسمم به دم الشيخ سيد، إذ طغى حبه لها على كل حب».
ومن علاقات سيد درويش، كانت السيدة عائشة عبدالعال الشهيرة بـ«حياة صبري»، التي رآها لأول مرة وهي تغني في فرقة عكاشة بين عامي 1917 و1918، وهو من اختار لها اسم شهرتها، وقيل إنه تزوجها عام 1919، بعد أن قدمها للغناء مع شركة «أوديون»، لكن زواجهما لم يستمر سوى ثلاثة أيام، بسبب رفض أمه لهذه العلاقة، إلا أنه قيل أنها كانت الأكثر تأثرا وحزنا بسبب موت درويش وأنها اعتزلت الحياة بعدها.
السيدة جليلة زوجة سيد درويش ونجليها يحيى وحسن
وتزوج للمرة الثالثة عام 1919 من سيدة تدعى «جليلة»، قبل وفاته بـ5 سنوات، وعرض متحف رموز ورواد الفن المصري وثيقة زواجهما ضمن مجموعة من المقتنيات الفريدة والنادرة لرواد الفن، فتوضح الوثيقة أن قيمة الصداق الذي دفعه سيد لـ جليلة وهو 45 جنيها، حصلت منه الزوجة على 30 جنيها. وأنجب منها ابنيهما يحيى وحسن، الذي عمل مدرسا للموسيقى وعضوا بكورال الأوبرا، فيما كرم الرئيس الراحل أنور السادات السيدة جليلة.
جليلة معشوقة سيد درويش
وتأتي «جليلة أم الركب»، أو «جليلة العالمة»، واحدة من نساء سيج درويش، غنى لها «خفيف الروح»، فكانت معشوقته التي في حبها تغنى بالعديد من أروع ألحانه، فلها أبدع أيضا بـ«زوروني كل سنة مرة»، ولها يقول «أنا وحبيبى في الغـرام، مافيش كدا ولا في المنام» إلا أن ما قيل عن جليلة، التي كانت غانية تهوى اللعب بقلوب الرجال ومشاعرهم، أنها لم تكن تبادله حبها، وأن مشاعره ظلت حبا من طرف واحد.
جليلة أم الركب
توفي درويش في 10 سبتمبر 1923، وتتعددت الروايات حول أسباب وفاته، فتارة قيل إن وفاته بسبب جرعة زائدة من المخدرات وهو ما نفته أسرته، وقيل إنه تعرض للتسمم بفعل جنائي، من القصر والإنجليز، بسبب أغنياته الملهمة ومساندته لثورة 1919 وحثه الشعب المصري على الثورة بعدها، فيما وردت رواية أخرى أنه توفي بسبب مطربة تدعى وداد كان قد لحن لها عدة أغان، وكانت تغني بطريقة خاطئة، فتوددت له ودعته إلى منزلها لكي يعلمها الغناء وقدمت له كميات كبيرة من الأكل والخمر ما أحدث له حالة تسمم.
ورحل لكن سيرته لا تزال خالدة حتى اليوم، فهو من تغنى بـ«أنا المصري كريم العنصري»، وشد الحزام، والنشيد الوطني الرسمي الذي يفتخر به المصريون، من ألحان درويش، وأغنياته للثورة وحقوق الشعب والكادحين والعمال، لا تزال مصدر إلهام في كل وقت وزمان.