حبيب بن مظاهرأُقسِمُ لو كنّا لكم أعدادا
لمحات
• أبوه مظاهر ـ أو مُظهَّر ـ بن رِئاب بن الأشتر.
• من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن شيوخ التابعين، وحَمَلة القرآن الكريم، ومن علماء المسلمين. رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسمع حديثه.
• وهو أيضاً من خواصّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وأصفيائه ـ كما ذكر الشيخ المفيد في ( الاختصاص 2 ) ـ وقد لازَمَه طيلة خلافته، وشَهِد معه حروبَه، وتخرّج من مدرسته الكبرى حتّى حمل عنه علوماً جمّة، فكان ذا رتبةٍ علميّة سامية ومنزلة إيمانية رفيعة.
• ثمّ صَحِب ـ بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام ـ ولدَه الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام إلى حين شهادته، حينذاك صَحِب الإمامَ أبا عبدالله الحسين عليه السّلام. وكان ـ وهو زعيم بني أسد ـ يأخذ البيعة لسيّد شباب أهل الجنّة، حتّى صار أفضلَ أنصاره من غير الهاشميّين، وقد سجّل مواقفَ فاخرةً مشهودةً في كربلاء إذْ كان فيها قائد المَيسَرة في جيش الإمام الحسين عليه السّلام، فجاهد وقاتل وأبلى.. إلى أن استُشهد بين يدَي سِبط رسول الله صلّى الله عليه وآله، ليُدفن مُفرَداً عن قبور شهداء الطفّ، وليكون على طريق الداخل إلى قبر الحسين الشهيد سلام الله عليه والعائد منه، فيُخصّ بالسلام والإجلال.
عبادة حبيب
ذكرت أخبارُ كتب السِّيرَ والتاريخ في وصف أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام.. أنّ كلاًّ منهم: كان عابداً ناسكاً، قارئاً للقرآن يختمه في يومٍ وليلة، وكان لهم ليلةَ عاشوراء دَوِيٌّ كدَوِيّ النَّحل في تلاوتهم وصلاتهم، وهم ما بين راكعٍ وساجد، وقائمٍ وقاعد (1).
وحبيب.. كان أحدَهم، أحدَ أولئك الذين أثّروا في جيش عمر بن سعد، فاهتدى بعضُهم والتحق بجيش الإمام الحسين عليه السّلام، حتّى عَبَر منهم مِن عسكرِ عمر بن سعد اثنانِ وثلاثون رجلاً (2).
وأفضل ما أُبِّن به حبيب بن مظاهر كلمةٌ نُقلت عن سيّد الشهداء عليه السّلام، حيث قال ـ وقد وقف على مصرعه: رَحِمَك اللهُ يا حبيب؛ فقد كنتَ فاضلاً، تَختم القرآن في ليلةٍ واحدة (3).
الرسالة الشريفة
مِن أولئك الذين راسَلَهم أبو عبدالله الحسين عليه السّلام ـ تمهيداً لنهضته الإلهيّة المباركة ـ ودعاهم إلى نُصرته.. حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه، يصوّر لنا فيها شخصيّة هذا المُناصِر الوفيّ وسُموَّ مَقامه عند أهل البيت عليهم السّلام، حيث كتب إليه:
من الحسين بن عليّ بن أبي طالب، إلى الرجلِ الفقيه حبيبِ بن مظاهر. أمّا بعدُ يا حبيب.. فأنت تعلم قَرابتَنا من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنت أعرَفُ بنا مِن غيرك، وأنت ذو شيمةٍ وغَيرة، فلا تَبخَلْ علينا بنفسك؛ يُجازيك جَدّي رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يوم القيامة (4).
مواقف غيورة
بعث عمرُ بن سعد قُرّةَ بن قيس الحَنظَليّ قائلاً له: وَيحَك يا قُرّة! إلقَ حُسَيناً فسَلْه ما جاء به، وماذا يريد ؟ فأتاه قُرّة، فلمّا رآه الحسينُ مُقبلاً قال: أتعرفون هذا ؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجلٌ من حنظل تميميّ، وهو ابن أُختنا، ولقد كنت أعرفه بحُسن الرأي، وما كنتُ أراه يشهد هذا المشهد!
فجاء قيس حتّى سلّم على الحسين وأبلَغَه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال له الحسين عليه السّلام: كتبَ إلَيّ أهلُ مِصركم هذا أن أَقدِم، فأمّا إذا كرهوني فأنا أنصَرِفُ عنهم. ثمّ قال له حبيب: وَيحَك يا قرّة بن قيس! أنّى تَرجِعُ إلى القوم الظالمين انصُرْ هذا الرجلَ الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك. فقال له قرّة: أرجِعُ إلى صاحبي بجواب رسالته، وأرى رأيي (5).
• ولمّا رأى حبيب بن مظاهر قلّة أنصار الحسين وكثرة أعدائه ومُحاربيه.. قال للحسين عليه السّلام: إنّ ها هنا حيّاً مِن بني أسد، فلو أذِنتَ لي لَسِرْتُ إليهم ودَعَوتُهم إلى نُصرتك؛ لعلّ الله أن يَهديهم ويَدفعَ بهم عنك. فأذِنَ له الحسين عليه السّلام.
فسار حبيب إليهم حتّى وافاهم، فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: يا بني أسد، قد جئتكم بخيرِ ما أتى به رائدٌ قومَه.. هذا الحسين بن عليٍّ أميرِ المؤمنين وابنُ فاطمةَ بنتِ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد نزل بين ظَهرانَيكم في عصابةٍ من المؤمنين، وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه، فأتيتُكم لتمنعوه وتحفظوا حُرمةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله فيه. فوَاللهِ لئن نَصَرتموه لُيعطينّكمُ الله شرفَ الدنيا والآخرة، وقد خصصتُكم بهذه المكرمة لأنّكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس منّي رَحِماً.
فقام عبدالله بن بشير الأسديّ وقال: شكَرَ اللهُ سعيَك يا أبا القاسم، فوالله لَجئتَنا بمكرمةٍ يَستأثر بها المرءُ الأحَبَّ فالأحَبّ، أمّا أنا فأوّل مَن أجاب. وأجابَ جماعةٌ بنحوِ جوابه، فنَهَدوا مع حبيب، وانسَلّ منهم رجلٌ ( خائن ) فأخبر عمرَ بن سعد، فأرسل الأزرقَ في خمسمائة فارسٍ فعارَضَهم ليلاً ومانَعَهم، فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلمّا علموا أنْ لا طاقةَ لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحوّلوا عن منازلهم.
وعاد حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السّلام فأخبره بما كان، فقال عليه السّلام: وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله، ولا حولَ ولا قوّة إلاّ بالله (6).
• وروى أبو مخنف في المقتل، أنّ الإمام الحسين عليه السّلام وعظ القوم بخطبته، وكان فيها:
أمّا بعد.. فانسبوني مَن أنا وانظروا...
فاعترضه شمرُ بن ذي الجَوشَن قائلاً: هو يَعبُد الله على حرفٍ إنْ كان يدري ما تقول! فأجابه حبيب بن مظاهر غَيرةً على إمامه: أشهدُ أنّه يعبد اللهَ على سبعين حرفاً، وأنّك لا تدري ما يقول، قد طبع اللهُ على قلبك!
ثمّ عاد الحسين عليه السّلام إلى خُطبته (7).
شرف الشهادة
في ظهيرة عاشوراء، وعند الزوال.. وبعد أن قُتل معظمُ جيش الإمام الحسين عليه السّلام، تَقَدّم أبو ثُمامة الصائديّ رضوان الله عليه قائلاً: يا أبا عبدالله نفسي لك الفِداء، إنّي أرى هؤلاءِ قد اقتربوا منك، ولا واللهِ لا تُقتَل حتّى أُقتَلَ دونك إنْ شاء الله، وأُحبّ أن ألقى ربّي وقد صَلّيتُ هذه الصلاةَ التي قد دنا وقتها.
فرفع الإمام الحسين عليه السّلام رأسه يراقب الوقت حتّى قال: ذكرتَ الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين.. نَعَم، هذا أوّل وقتها.
ثمّ قال عليه السّلام: سَلُوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي. فقال له الحُصَين بن تميم لعنه الله: إنّها لا تُقبَل! فانبرى حبيب بن مظاهر له مدافعاً عن حُرمة إمامه: زعمتَ أنّ الصلاة مِن آل رسول الله صلّى الله عليه وآله لا تُقبَل! وتُقبَل منك يا حمار ؟!
فحمل عليهم الحُصين، وخرج إليه حبيب فضرب فرسَه بالسيف فشبّ بالحصين ووقع، وحمَلَه أصحابه فاستنفذوه، فأخذ حبيب يرتجز:
أو شطرَكم وَلَيّتُم أكتادا يا شَرَّ قومٍ حَسَباً وآدا
أنـا حبيبٌ وأبـي مُظَهَّـرُ
وجعل يقول أيضاً:
فارسُ هيجاءٍ وحَربٍ تَسعرُ أنتـم أعَـدُّ عُـدّةً وأكثَـرُ
ونحن أوفـى منكمُ وأصبَرُ ونحن أعلى حُجّـةً وأظهَرُ
حقاً، وأتقـى منكمُ وأعـذَرُ
وقاتَلَ حبيبُ بن مظاهر ـ على كِبَر سنِّه وقد بَلَغ خمساً وسبعين سنة ـ قتالاً شديداً، حتّى أردى من الأعداء اثنينِ وستّين رجلاً، فأحاطوا به.. وحمل عليه بُدَيل بن صريم فضربه بسيفه، وطعنه رجلٌ برمحه، فسقط على الأرض، ثمّ حاول أن ينهض وإذا بالحُصَين يضربه بالسيف على رأسه، فسقط حبيب لوجهه.. فهدّ مقتلُه الحسينَ عليه السّلام، فقال: عند الله أحتَسِبُ نفسي وحُماةَ أصحابي. واسترجَع كثيراً (8).
باقات زهور.. على ذكراك أيّها الحبيب
• قال الإمام الحسين عليه السّلام: رَحِمَك اللهُ يا حبيب؛ فقد كنتَ فاضلاً.. (9)
• قال الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام لبني أسد بعد دفنه الشهداء رضي الله عنهم:
أمّا القبر المنفرد ممّا يلي الرأسَ الشريف، فهو حامل راية الحسين عليه السّلام.. حبيب بن مظاهر (10).
• وقال الإمام المهدي عليه السّلام في ( زيارة الناحية المقدّسة ) يذكره:
السلام على حبيبِ بنِ مظاهر الأسديّ (11).
• قال محمّد بن عمر الكشّيّ: وكان حبيب من الرجال السبعين الذين نصروا الحسين عليه السّلام، ولَقَوا جبال الحديد، واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوفَ بوجوههم، وهُم يُعرَض عليهم الأمان والأموال فيأبَون ويقولون: لا عُذرَ لنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إنْ قُتِل الحسين عليه السّلام ومنّا عينٌ تَطرُف. حتّى قُتِلوا حوله (12).
• قال الشيخ عبدالله المامقانيّ: حالُ الرجل أشهرُ مِن أن يحتاج إلى بيانٍ أو إقامة بيّنةٍ أو برهان، وكيف.. وهو ممّن عنده ـ ببركة أمير المؤمنين عليه السّلام وتعليمه إيّاه ـ علمُ المنايا والبلايا، وهو قرين ميثم التمّار ورُشَيد الهَجَريّ ونحوِهما. وله ليلةَ عاشوراء مكالماتٌ مع زينب الكبرى سلام الله عليها تكشف عن غاية جلالته (13).
• قال الشيخ مهدي الحائريّ: وكان حبيب صاحبَ لواء الحسين عليه السّلام، ومِن خواصّ أصحابه، ولم يفارقه في كربلاء ليلاً ولا نهاراً (14).
• قال خير الدين الزركليّ: حبيب بن مظاهر.. تابعيّ من القوّاد الشجعان، نزل الكوفة وصحبَ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه في حروبه كلّها، ثمّ كان على مَيْسرة الحسين يوم كربلاء وعمرُه خمس وسبعون سنة، وهو واحدٌ من سبعين رجلاً استبسلوا في ذلك اليوم، وعُرِض عليهم الأمان فأبَوا وقالوا: لا عُذرَ لنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إن قُتل الحسين وفينا عينٌ تَطرُف. حتّى قُتلوا حوله (15).
فسلامٌ عليك يا « حبيبُ » في الصالحين والشهداء، والأصحاب الموالين الأوفياء.