هل تتخيل جمال العالم من دون غش؟ تشتري سلعة وتستخدمها في أغراضها كما توقعت منها؟ لا أحد يغش أو يدلس في وصف السلعة؟
الدعاية وتسويق البضاعة ليس بالأمر الجديد بل قديم من أيام أبينا آدم -عليه السلام-. عمل إبليس على تسويق ثمرة الشجرة التي حرم الله على أبينا آدم الأكل منها وقال له مزينًا فوائدها العظيمة: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ}؟ من ذا الذي لا يطمع في الخلد ودوام الملك! ثم كانت النتيجة أن خرج آدمُ وزوجه من الجنة!
يحكى أن أحد التجار تورط في صفقة خُمُر نسائية ذات لون أسود لم يستطع بيعها، والخُمُر هي الأقمشة التي تغطي رأس المرأة. عندما أعيته الحيلة في بيعها طلب من رجل عرف بالصلاح والتوبة من الذنوب أن يعينه في بيعها. حينها أنشد الرجل أبيات شعر تُصوّر ناسكًا اعتكف في المسجد والهًا بحب سيدة تلبس خمارًا أسود:
قل للمليحةِ في الخمارِ الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبد؟
قد كان شمر للصلاةِ ثيابه
حتى وقفتِ له بباب المسجدِ
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحقّ دينِ محمدِ
شاع الشعر فأقبلت النسوة على شراء الخُمُر السود كلها!
لا تفهمني خطأ فليس كل تسويق وتزيين بضاعة خاطئًا لكن لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي اشتريتُ فيها بضاعة مدحها شخصٌ وعمل لها دعاية ثم وجدت أن البضاعةَ لا تساوي فلسًا واحدًا! ولأنني اشتريتها ولا تصلح ضاع جهدي ومالي! أصبحت الدعاية وسيلة لبيع كل شيء، الجيد والرديء والشاطر من يعمل أفضل دعاية تسويق.
من أولويات الأمانة في التجارة كراهة مدح البائع السلعة وذم المشتري لها! وأنه يستحب للمكلف تعلم أحكام التجارة التي يتعاطاها. أما الغشّ فلك أن تتخيل كم هو بغيض: "يا صاحب الطعام! أسفل هذا مثل أعلاه؟ من غشّ المسلمين فليس منهم". لذلك ليس أجمل من الأمانة وأن تبيع السلعةُ نفسها بنفسها وتَحكي عن جودتها بنفسها.
البضاعة الجيدة تربح البائع والمشتري معًا، يجربها المشتري ويعود مرةً أخرى يشتريها وينصح غيره أن يشتريها وإن غلا ثمنها. أما البضاعة السيئة فهي خسارة للبائع والمشتري وإن رخص ثمنها.
آه يا زمان! ليتها بقيت على تسويق السلع الرخيصة؛ كل شيء له مادح ومزين في هذا الزمن، من أصغر الأشياء وأحقرها حتى أغلاها وأخطرها! فإذا أردت أن تشتري شيئًا اسأل مجربًا ولا تسأل مسوقًا!