الإمام الصّادق (ع) وتأسيس المذهب الجعفري


الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو سادس أئمة أهل البيت، وإليه يُنسب الإمامية فيقال: المذهب الجعفري للدلالة على مذهب أهل البيت علیهم السلام، حيث سنحت الفرصة للإمام الصادق علیه السلام في نشر عقائد وفقه أهل البيت علیهم السلام بصورة كبيرة، بما لم تتح لغيره من الأئمة علیهم السلام بنفس القوة والانتشار، ويعود السبب إلى تزامن إمامته مع نهاية الدولة الأموية وسقوطها، وقيام الدولة العباسية، إذ تسلّم الإمام الصادق علیه السلام شؤون الإمامة عام 114هـ، وسقطت الدولة الأموية عام 132هـ، وهذه الفترة كانت تتميز بالهدوء والحرية النسبية للإمام الصادق علیه السلام، حيث كانت الدولة الأموية في نهاياتها مشغولة بمواجهة الثورات والانتفاضات التي كانت مشتعلة في أكثر من مكان من بلاد الإسلام، وعندما قامت الدولة العباسية كانت بحاجة إلى وقت لتثبيت حكمها، وتشييد أركان نظامها، مما أتاح للإمام الصادق علیه السلام نشر مذهب أهل البيت علیهم السلام بين الناس، فقد عاصر الإمام الصادق علیه السلام شيخوخة الدولة الأموية وطفولة الدولة العباسية، وهي فترة اتسمت بالضعف في مفاصل الدولة مما ساعد الإمام جعفر الصادق علیه السلام على نشر فقه أهل البيت علیهم السلام.

وبالإضافة لما سبق، فإن جهود الإمام الصادق علیه السلام الكبيرة وعمله الدؤوب، وتربيته للطلاب والتلامذة، أسهمت في تجذير وتعميق مذهب أهل البيت علیهم السلام، وأصبح فيما بعد يسمى (مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام) لإسهاماته الكبيرة في نشر الفقه الإمامي، فقد ورد من الأحاديث والروايات عن الإمام الصادق علیه السلام ما لم يرد عن غيره من الأئمة المعصومين، خصوصاً في الفقه الإسلامي.

فالحرية النسبيّة التي تمتع بها الإمام الصادق علیه السلام لم تتح لآبائه المعصومين، إذ كان بنو أمية يمارسون أشد حدود الصرامة والشدة ضد مذهب أهل البيت علیهم السلام لمنعه من الانتشار والتمدد؛ حتى بلغ الحال ببعض الفقهاء إذا اضطر أن يسند الحديث إلى مصدره، فإن كان عن علي علیه السلام يقول: قال: أبو زينب. وبعضهم كان يقول: قال الشيخ ويعني بذلك علياً علیه السلام ولا يجرؤ على ذكره باسمه!.

لكن الحال قد تغير في عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام، حيث تمتع بحرية نسبية ساعدته على نشر الفقه الإمامي، ومنهج أهل البيت علیهم السلام في العقائد والمفاهيم الدينية، وهبّ إليه طلاب العلم والمعرفة من كل حدب وصوب، ليتتلمذوا عليه، وينهلوا من منهج علمه وفكره، مما ساعد على نشر الفقه الإمامي في مختلف البلدان الإسلامية، بالرغم من أنه لم يحظ كغيره من المذاهب الإسلامية بالدعم الحكومي، ولعله المذهب الوحيد الذي انتشر في مختلف الأمصار والمناطق رغم معارضته للدولة الأموية ثم العباسية، ورغم وضع العراقيل والمعوقات أمام انتشاره، إلا أن إرادة الله عز وجل، وجهود الإمام الصادق علیه السلام ومثابرته، أثمرت انتشار مذهب أهل البيت في كل مكان وزمان، ولا يزال يزداد انتشاراً ونمواً واتساعاً رغم كل العوائق والمشكلات التي تعترض طريقه، لكن الحق لا يمكن حجبه بأي شيء، وأصبح اليوم مذهب أهل البيت يتبعه ثلث المسلمين على أقل التقادير.