على مر العصور، لجأ بعض الملوك وحكومات الدول إلى حظر نشر كتب بعينها، ورغم أن الكتاب وظيفته الأساسية هى نقل المعرفة، فهناك من اعتبر بعض الكتب «مصدر تهديد للناس وعقولهم».
لحظر الكتب تاريخٌ طويلٌ وحزينٌ، لا يزال مستمرا بل مزدهر إلى الآن، وتتزامن هذه الأيام مع الذكرى الأربعين لأسبوع الكتب المحظورة، وهو حدث سنوى للاحتفال بحرية القراءة، أُطلق عام 1982 استجابةً لارتفاع التحديات التى تواجه الكتب.
تاريخ حظر الكتب
ومنذ قرون مضت، كانت فكرة حظر الكتب سهلة، خاصة أن معظم السكان كانوا أميين ولم تكن الكتب متاحة بسهولة، ولفترة طويلة ثبطت الكنيسة الكاثوليكية الناس عن امتلاك نسخهم الخاصة من الكتاب المقدس، ووافقت فقط على الترجمة اللاتينية التى لا يستطيع سوى قلة من الناس العاديين قراءتها.
وعندما تحسنت معدلات القراءة والكتابة بين الناس، كما حدث عندما أدخلت بريطانيا قوانين التعليم فى أواخر القرن التاسع عشر، ظلت الكتب باهظة الثمن، ولاسيما تلك الأعمال الأدبية الراقية التى كانت كلماتها وأفكارها هى الأكثر ديمومة وربما أكثر خطورة.وفي مصر، أشعلت الكثير من الكتب والروايات الجدل على مر العقود، ما أدى لمنعها رسميا أو صدور دعوات لمقاطعتها، ولعل أبرزها رواية «أولاد حارتنا» للأديب الراحل نجيب محفوظ، فرغم صدورها عام 1962 عن دار الآداب ببيروت لم تنشر في مصر إلا عام 2006.
حظر الكتب في مصر والعالم العربي
أثارت الرواية حالة من الغضب بعد أن وصفها كثيرون بأنها «تتجرأ على الذات الإلهية»، وهاجم الأزهر الشريف الرواية بشدة، وسط اتهامات لأديب نوبل بالإلحاد والكفر، ورغم نشر فصولها كاملة في صحيفة «الأهرام»، إلا أنها لم تطبع في كتاب داخل مصر وكانت تُهرب من لبنان.
الأمر نفسه تكرر مع كتب نصر حامد أبو زيد، ودعا الأزهر الشريف إلى منعها وعلى رأسها كتابه الشهير «الخطاب والتأويل» الصادر عام 2000، الذي تناول الخطاب السلفي بدء من الإمام الغزالي وحتى ابن رشد، واعتبر الأزهر أن الكتاب «طعن فى ثابتين من ثوابت العقيدة الإسلامية، وهما التوحيد وحفظ القرآن الكريم».
عربيًا، من الكتب التي أثارت جدلا كبير ولا تزال «آيات شيطانية» للكاتب البريطاني ذي الأصول الهندية سلمان رشدي، فبمجرد صدورها في لندن عام 1988 تلقت دار النشر الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات المطالبة بسحب الكتاب، وحظرت الكثير من الدول العربية الكتاب بسبب «إساءته للإسلام».
“إفساد العقول”.. حجة حظر الكتب
وبحسب «BBC»، تواصل حكومة الصين إصدار مراسيم ضد الكتب فى المدارس التى لا تتماشى مع القيم الأساسية الاشتراكية فى البلاد، بدعوى أن «لها آراء وقيمًا منحرفة عن العالم»، وهى كلمات مرنة يمكنها أن تنطبق على أى كتاب لا توافق عليه السلطات لأى سبب من الأسباب.
وفى روسيا، كان الأمر بمثابة مغامرة ملحوظة، رغم أنها صدّرت للعالم كتّابا عظماء على مدار العقود الماضية، فقد حاولت الحكومات خلال الحقبة السوفيتية ممارسة القدر نفسه من السيطرة على عادات القراءة لمواطنيها. وكان حصول الكاتب الروسى بوريس باسترناك على جائزة نوبل فى الأدب عن روايته «دكتور زيفاجو» عام 1958 مصدرا لغضب السلطات السوفيتية، فالرواية التى نُشرت فى إيطاليا وصفتها وسائل الإعلام السوفيتية بأنها «عمل خبيث وضعيف فنيًا» ما دفع الكاتب إلى رفض الجائزة.
وفى بريطانيا، غالبًا ما كان حظر الكتب يأتى كأداة ضد «الفحش الجنسي»، فقد كان الكاتب جيمس جويس شديد الإدراك عندما قال فى كتابة «عوليس»: «رغم الشرطة، أود أن أضع كل شىء فى روايتي»، فقد حُظر الكتاب فى بريطانيا من عام 1922 حتى 1936، رغم أن الضابط القانونى المسؤول عن الحظر قد قرأ 42 صفحة فقط من أصل 732 صفحة.
وكان الأديب دى إتش لورانس حالة خاصة، فقد كانت مؤلفاته التى غالبًا ما تحتوى على أمور جنسية موضوع حملة من قبل مدير النيابات العامة فى بريطانيا لسنوات، إذ أحُرق كتابه «The Rainbow»، بجانب الإغارة على معرض لفنه، واستمرت مطاردته حتى بعد وفاته.
الأمر نفسه كان فى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد عكس حظر الكتب ما تعنيه من قوة دائمة، فهى لا تزال تحظى بشعبية كبيرة فى العالم بسبب تقدم التكنولوجيا وقوة وسائل التواصل الاجتماعى.
ففى عام 1982، وهو العام الذى بدأ فيه أسبوع الكتب المحظورة، وصلت قضية محاولة الرقابة المدرسية فى مقاطعة مدرسة Island Trees إلى المحكمة العليا الأمريكية. وقال مجلس إدارة المدرسة إنه «من واجبنا الأخلاقى حماية الأطفال فى مدارسنا من هذا الخطر الأخلاقى، كما هو الحال بالتأكيد من المخاطر الجسدية والطبية».
وانتصرت المحكمة حينها للكتب، وأقرت بأن «مجالس المدارس المحلية لا يجوز لها إزالة الكتب من المكتبات المدرسية لمجرد أنها لا تحب الأفكار الواردة فى تلك الكتب».
وللرقابة على الكتب فى الولايات المتحدة تاريخ طويل، كانت أشهر ضحاياها المبكرة رواية هارييت ستو المناهضة للعبودية «Uncle Tom’s Cabin» أو «كوخ العم توم» عام 1857، فقد حوكم رجل أسود من ولاية أوهايو بالسجن 10 سنوات لأنه كان يحوز الرواية.