لا تكاد تخلو جلسة بين اثنين وأكثر من الرجال والنساء من جدال. كذلك لا تخلو مجموعات التواصل التي تعمل على مدار الساعة من فاكهة الجدال! كيف لا أقول شيئًا وأبدو غبيًّا؟ لا بدّ أن أكون علّامة زماني الأوحد في كل العلوم فلا يقول أحدٌ غيري رأيًا إلا وتصديت له وفنّدته وبيّنت خطأه! في مجلس، في مجموعة تواصل، لا يهم! لا جِدال في رأيي ولا مجال للمناقشة والخلاف فيه، أمر حاسم وقاطع!
كنَّا أناسًا على دينٍ ففرقنا ... طولُ الجدالِ وخلط الجدّ باللعبِ
ما كان أغنى رجالًا ضل سعيهم ... عن الجدالِ وأغناهم عن الخطبِ
منذ القدم جادل إبليس الله فانتهى ينتظر النار يوم القيامة، جادل ابن نوح نوحًا عليه السلام فماتَ في الطوفان، جادل فرعون موسى عليه السلام فغرق في اليم، جادل أبو لهب النبيّ محمد صلى الله عليه وآله فنزل فيه قرآن: {مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}! النهي عن الجدال كثير جدًّا لكن قبل أن أذكر النهي من الدين تعال إلى العقل والواقع! كم من أمر هين ابتدأ بجدال وانتهى بعداوة وانفصال وخصام وتقاتل؟ لا أحد منا يستطيع النكران!
في أي جدال؛ من المحتمل جدًّا خروج قطار الحديث عن السكة والأمور عن السيطرة في نقطةٍ ما! بعد ذلك دخول المعركة وإحصاء الخسائر! {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا}؛ الآية تحتوي نصيحة جميلة تحث على عدم الجدال حول عدد من كان في الكهف، إِلاّ الجدل القائم على أساس المنطق والدليل: (فلا تُمار فيهم إِلاَّ مراءً ظاهرًا) مع أن الله سبحانه قادر أن يذكر عددهم الحقيقي!
من المضحك المبكي في ما نسميه مجموعات التواصل يشتد الجدال والخصام في توافه الأمر ولأن الصديق لا يرى صديقه مباشرة تتأزم الأمور وكأنها ساحة حرب شعواء، ثم زعل وخصومة تحتاج إلى وساطات لإعادتها حيث كانت من الوداعة واللين!
لذوي الجدال إذا غدوا لجدالهِم .. حججٌ تضلّ عن الهدى وتجورُ
وهنٌ كآنية الزّجاج تصادمت .. فهوت، وكلٌّ كاسرٌ مكسورُ
فالقاتل المقتول ثمّ لضعفه .. ولوهيهِ، والآسر المأسورُ
ثمة نصيحة لحديثي الزواج: لا تبدأ الجدال ولا تدخل فيه مع زوجك، على حقّ كنت أم على غير حقّ! خسارة الجدال أهون ألف مرة من خسارة الزواج! الحياة أيسر من ذلك كله! لا بأس، قل: حاضر خلاص، أنا الغلطان، وأعلن الاستسلام والهزيمة "ذروا المراءَ، فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة في رباضِها ووسطها وأعلاها لمن ترك المراءَ وهو صادق".