معرض دار الضرب
أعلى جبل المقطم، تقف قلعة صلاح الدين الأيوبي كأعرق القلاع الحربية في العصور الوسطى، ومقرا للحكم حتى عهد الخديوي إسماعيل، لتصبح ذات مكانة تاريخية وتراثية وأثرية، بمسجد محمد علي، ودار الضرب، الذي ظل مغلقا لسنوات.
كانت دار الضرب قديما محل سـك النقود والعملات في عهـد محمـد على باشا، بما يشبه البنك المركزي اليوم، إلا أنها ظلت مغلقة لعقود، حتى أعيد ترميمها خلال السنوات الماضية، وفتحت أبوابها للجمهور في حدث فني ثقافي هو الأول من نوعه داخل المبنى بمعرض “إذا كان للجدران أن تتحدث” الذي نظمته مؤسسة “آرت دي إيجيبت” لـ50 فنانا تشكيليا من جنسيات مختلفة، ليكون الخطوة الأولى لتحويل المبنى لمنصة تراثية وثقافية وفنية جديدة داخل القلعة.
دار الضرب منصة ثقافية وفنية
ويقول رشيد كامل، شريك في شركة القلعة لإدارة الأصول، إن الفكرة تقوم على تحويل دار الضرب كمنصة ثقافية فنية تراثية، وليست الدار وحدها بل قلعة صلاح الدين الأيوبي كاملة، وتغيير اتجاهها لتصبح منارة مليئة بالعروض الفنية والثقافية والحفلات التي تقام بها ذات الطابع الثقافي والتراثي.
وأضاف لـ”أيقونة” أن فكرة دار الضرب تستهدف استغلال هذا الجزء من القلعة الذي لا يعرفه الكثيرون ليصبح منصة جديدة فنية وثقافية وتراثية، وهذا المعرض جزء من هذا النشاط الذي سيستمر بفعاليات جديدة ومتنوعة.
رشيد كامل
التوزان بين التراث والحاضر
ويوضح أحمد الشابوري، الرئيس التنفيذي لشركة القلعة لإدارة الأصول، أنهم يهدفون لإعادة استغلال المواقع غير المستغلة في القلعة في نشاطات من شأنها أن تعلي القيمة التراثية والثقافية والسياحية للمنطقة، وأحد هذه المواقع في “دار الضرب”.
المهندس أحمد الشابوري
وأوضح أنها بُنيت في القرن الثامن عشر وكانت مخصصة لصك العملة، أثناء الحكم العثماني وعهد محمد علي باشا، فهو مبنى ذو قيمة تاريخية وتراثية ومعمارية ومسجل كأثر، وأفضل وسيلة لاستغلاله أن يصبح مركزا للأنشطة الثقافية والفنية وإقامة المعارض وعرض المنتجات المصرية عالية القيمة.
ويضيف لـ”أيقونة” أن تلك الأنشطة تجعل المبنى نقطة جذب جديدة داخل القلعة، وكان معرض “لو كان للجدران أن تتحدث”، هو أول هذه الفعاليات، وجاء رد الفعل إيجابيا، ورفع الوعي وخلق حالة شغف واهتمام وفضول وسط المجتمع المصري والمهتمين بالآثار المصرية من الأجانب بهذا المكان الذي ظل مغلقا طوال عقود.
وتهدف الشركة إلى التوسع في الخدمات المطروحة للزوار، منها خدمات المقاهي والمطاعم والهدايا التذكارية، بجانب المعارض الفنية والثقافية الجديدة التي ستقام في مناطق مختلفة من القلعة خلال الشهور القليلة المقبلة، ويؤكد “الشابوري” أن هذا لن يطغى على القيمة الأثرية والتراثية للقلعة: “اهتمامنا الأساسي ومجال خبرتنا هو تطوير المناطق التراثية والثقافية مثل المتاحف والمناطق الأثرية وبدأنا نعمل في مجال تقديم الخدمات، وهدفنا الأساسي الحفاظ على التراث”.
ويوضح أن “التوازن بين حماية التراث وفي الوقت نفسه تطويره يتحقق بعد عمل دراسات للأثر، والحصول على الموافقات من الجهات المعنية بالآثار ومطابقة أي نشاط مع المعايير والأكواد الموضوعة للتعامل مع الأثر، مع تنوع الأنشطة وعدم إغفال نشاط على حساب آخر. ومخطط تطوير القلعة من الداخل متكامل مع مشروع تطوير باب العزب –أحد أبواب القلعة- الذي يستهدف أن منطقة إبداع متكاملة، فكلا المشروعان يتكاملان في القلعة”.
أنشطة مستمرة طوال العام
وتوضح المهندسة والمصممة هالة صالح، مستشار هندسي لتفعيل “دار الضرب”، أن الأنشطة المستهدفة توضح كيف يمكن لمكان أثري انتهت مهمته التنفيذية الأصلية، أن يعاد استخدامه بطريقة عصرية وحضارية: “مباني كثيرة بنيت في عصور معينة لخدمة وظيفة محددة، منها دار الضرب التي كانت تشهد سك الذهب، وانتهت هذه الوظيفة ولم يعد للمكان أي استخدام إلا أن يكون مزارا سياحيا”.
المهندسة هالة صالح
وتشير إلى أن دار الضرب هي أكثر الأماكن أهمية داخل القلعة بشكل خاص، فالمبنى نفسه كان مغلقا ولم يشهد أي زيارات، والفكرة هي إعادة استخدام الأماكن الأثرية بمنظور اليوم، من حيث احتياجاتنا الحالية، مضيفة أن دار الضرب فُتحت للمرة الأولى بكل أبوابها وحجراتها، لتوضح للجمهور كيف يمكن أن تعود الحياة مرة أخرى لهذا المكان.
تخيل المستقبل
وعلى عكس المعتاد في الأماكن الأثرية، يحاول المعرض تخيل المستقبل، فتشير هالة صالح إلى أن المعرض به جزء مخصص تحت عنوان “2063”، يتخيل كيف ستكون الحياة في هذا المكان وشكل المطاعم والمكتبات والتعليم فيه، مضيفة: “هدفنا فتح المحادثة والنقاش والآراء حول المكان في المستقبل”.
معرض دار الضرب
وتضيف: “بعد المعرض وجدنا مقترحات وردود فعل حول هذا الهدف، فتلقينا اتصالات من منظمات وجامعات حول كيفية المساعدة في تفعيل هذا المكان بعد أن رأى الزوار كيفية استخدام تلك الأماكن فعليا بجانب مشاهدتها من منظور سياحي”، موضحة أن دار الضرب لن تغلق بعد الآن، وستشمل أماكن مخصصة للقراءة أو عمل اجتماعات أو حضور معارض.
واختتمت: “زائر القلعة اليوم يرى شكل الحضارة المصرية قديما في حقبة زمنية معينة، لكن التغيير الذي نحاول أن نضيفه هو أن يرى الزائر كيفية استغلال القلعة بأسلوبنا وحضارتنا الحالية المعاصرة، ويرى عادات المصريين اليوم من حيث الأكل والملابس والتصميم والتفكير والفن، وستكون هناك أنشطة للمصريين طوال العام”.