كارستن نيبور
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، زارت بعثة دنماركية الشرق الأوسط لكتابة تقرير شامل عن المنطقة، وكان على رأسها عالم الخرائط والمستكشف كارستن نيبور، ليبحر في رحلته ويبدأ من الإسكندرية استكشاف ربوع مصر وتحديدا منطقة الدلتا، فوثق العادات والتقاليد، ورسم الخرائط، وقدم كتابا علميا شاملا لمصر وللجزيرة العربية بما فيها مكة وجدة ثم اليمن.
واحتفاءا بكارستن نيبور، نظم استوديو الدنمارك للبحوث والثقافة في مصر معرضا عن رحلة نيبور في الشرق، خاصة عن ما أنتجه في القاهرة، وأقيم المعرض في بيت يكن، يومي 8 و9 سبتمبر، وكان المعرض أول نشاط لاستوديو الدنمارك في القاهرة.
بدأت رحلة نيبور الكشفية لمصر والشرق عام 1761، فزار مصر خلال رحلته إلى الحجاز واليمن والعراق، واستقر فيها لمدة عام تقريبا، وقدم رسما لخريطة البحر الأحمر، وهي الخريطة التي أصبحت الأساس الذي بنى عليه السياسي الفرنسي والمهندس فرديناند ديليسبس، تصميمه لقناة السويس قبل حفرها، كذلك رسم نيبور خريطة للقاهرة وأحيائها المختلفة، كذلك أصبحت تلك الخريطة أحد أهم الأسس التي بنى عليها الفرنسيون خلال الحملة الفرنسية على مصر خريطتهم للقاهرة.
ويوضح الدكتور علاء الحبشى، أستاذ العمارة والحفاظ على التراث بجامعة المنوفية وأحد ملاك بيت يكن، أن استوديو الدنمارك نظم هذه الفعالية والمعرض، الذى ضم عدة لوحات تشرح حياة نيبور ورحلته الكشفية، بالإضافة إلى الكتاب الأصلى الذى كتبه من جامعة كوبنهاجن، وكذلك الخريطة الأصلية التى رسمها نيبور للقاهرة وللبحر الأحمر، مضيفا أن هذه الخطوة مهمة للتعرف على تاريخ الخرائط التى رسمها وأهميتها بالنسبة لمصر.ويضيف أن خرائط كارستن نيبور كانت مصدرا علميا لمن جاء بعده من العلماء والباحثين، ومنهم آدم فرانسوا جومار رسام الخرائط الفرنسي، الذي جاء مع الحملة الفرنسية على مصر، والذي اعتمد على خريطة وأبحاث نيبور خلال بحثه وإعداد خريطته عن القاهرة، موضحا أن نيبور مهم في تاريخ مصر ويستحق إلقاء الضوء عليه لتوضيح دوره.
وقال إن نيبور كان من أول من خاض داخل الدلتا المصرية وشرحها قرية قرية، وخاصة على فرعي النيل، دمياط ورشيد، ووصفهم بدقة، وهو ما يزيد أهمية أبحاث وتوثيق نيبور، فيوضح: “الرحلات الاستكشافية كانت تهتم بشكل أكبر بصعيد مصر، أو مصر العليا، لكن نيبور ركز على الريف وقرى الدلتا، كما أنه وثق العادات والتقاليد المصرية والملابس والموسيقى وأدواتها، والأكل، فقدم توثيقا كاملا للحياة المصرية في القرن الثامن عشر، وعرض ذلك في كتابه.
كتاب كارستن نيبور
وعن كتاب نيبور عن رحلته للشرق، يوضح أن الكتاب تمت ترجمته للعديد من اللغات منها اللغة العربية مؤخرا، وطبع في بيروت، ويوجد نسخة منه في مكتبة بيت يكن، والتي تضم العديد من المقتنيات المعمارية والتاريخية والمهمة، وهي نسخة متاحة للاطلاع، حيث تستقبل المكتبة القراء للاطلاع يوم الإثنين من كل أسبوع بدون رسوم.
ويشير إلى أن الكتاب يوثق رحلة كبيرة خاضها من الدنمارك حتى إسطنبول، ثم إلى الإسكندرية، وبعدها للقاهرة، ومن القاهرة توجه إلى دمياط لاستكشاف الفرع الثاني لنهر النيل، ومنه إلى القاهرة مرة أخرى، وبعدها إلى القصير، ومنها إلى الحجاز، والذي عاش هناك لفترة، ومن الحجاز إلى اليمن ثم إلى العراق، موضحا أن نيبور خاض رحلة في شبه الجزيرة العربية ومصر، وقد وصفا مهمة للشرق الأوسط.
ويوضح أن نيبور اكتسب شهرة أكبرفي اليمن، كرحالة أجنبي، لان كتابه استخدم في اليمن بشكل قوي من الباحثين، ولكن في مصر لم يعرف بنفس القدر، لأن أعمال البحث والتوثيق التالية له طغت على كتابه، موضحا إن نيبور في آخر أيامه كان يعرف بالحملة الفرنسية على مصر وعبر عن رغبته في المشاركة في تحديث الخريطة الخاصة به بالتعاون معهم لأنهم اعتمدوا على خريطته وأبحاثه، في عام 1801، لكنه لم يستطع أن يأتي مصر مرة أخرى.
استوديو الدنمارك
وقال “الحبشي” إن وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكه راسموسن، خلال زيارته مصر التي استمرت من 8 إلى 10 سبتمبر، افتتح استوديو الدنمارك للبحوث والثقافة، في حضور بعض الوزراء من مصر، في بيت يكن في احتفالية حضرها أيضا العديد من المثقفين والمؤرخين، مضيفا أن هذا الحدث مهم ويعطي استوديو الدنمارك القيمة والطاقة لإقامة فعاليات ثقافية وتراثية وعلمية كثيرة متنوعة خلال الأيام المقبلة، فالمعرض هو بداية نشاط الاستوديو وهناك المزيد خلال الفترة المقبلة.
وعن استوديو الدنمارك، أوضح أن المعهد الدنماركي كان موجودا في دمشق، لكن بعد الأحداث هناك، تراجع نشاط المركز، أرادوا البدء من جديد في القاهرة، كونها قلب العالم ومصدر العلم، لذلك جاؤوا إلى القاهرة وأسسوا الاستوديو في بيت يكن، الواقع في منطقة الدرب الأحمر، في قلب القاهرة التاريخية.