سكينة بنت الحسين (عليهما السلام)
كانت السيدة سكينة سيدة نساء عصرها وأوقرهن ذكاء وعقلًا وأدبًا وعفة، وكانت تزيّن مجالس نساء أهل المدينة بعلمها وأدبها وتقواها، وكان منزلها بمثابة ندوة لتعلم العلم والفقه والحديث.
ولدت الرباب: سكينة وعبد الله. فأما عبد الله فقد قتل رضيعاً في حجر أبيه يوم عاشوراء وذلك لما قتل أهل بيته وصحبه وبقي وحده.
وأما سكينة فقد روى الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) أن اسمها آمنة وقيل أمينة وإنما أمها الرباب لقبتها بسكينة كما ذكر ابن خلكان في ترجمتها ذلك في وفيات الأعيان وكذا في شذرات الذهب في ج1 ص154 ونور الأبصار ص157 ويظهر أن أمها إنما أعطتها هذا اللقب لسكونها وهدوئها. وعلى ذلك فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف التي بعدها، لا كما يجري على الألسن من ضم السين وفتح الكاف.
والمحكي عن شرح أسماء رجال المشكاة أنه مصغر بضم السين وفتح الكاف. ومثله القاموس. قال البحاثة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه (سكينة بنت الحسين):
ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها كما صح لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها كما في تهذيب الأسماء للنووي ج1 ص263، ومعارف ابن قتيبة وتذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها.
قال السيد الأمين في (الاعيان) عن ابن خلكان: توفيت السيدة سكينة بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة 117 هـ سنة سبع عشرة ومائة بعد الهجرة.
وقال: كانت سيدة نساء عصرها ومن أجمل النساء، وعمرها على ما قيل خمس وسبعون سنة، فعلى هذا كان لها بالطف تسعة عشر سنة.
وقال سبط ابن الجوزي ماتت فاطمة بنت الحسين وأختها سكينة في سنة واحدة وهي سنة مائة وسبعة عشرة بعد الهجرة.
روى الصبان في إسعاف الراغبين أن الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين (ع) أتى عمه الحسين يخطب إحدى ابنتيه: فاطمة وسكينة فقال له أبو عبد الله: أختار لك فاطمة فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله (ص)، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار، وفي الجمال تشبه الحور العين.
وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله فلا تصلح لرجل، أقول هذه شهادة من الإمام أبي عبد الله في تقوى هذه السيدة المصونة وأنها منقطعة إلى الطاعة والعبادة فكأنها لا تأنس بغيرها وهذا مما زاد في محلها من قلب أبيها الحسين إمام عصره حتى استحقت أن يضعها المعصوم بخيرة النساء وذلك لما ودع الإمام عيالاته يوم عاشوراء أجلس سكينة وهو يمسح على رأسها ويقول:
لاتحرقي قلبي بدمعك حسرة
ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي
تأتينه يا خيرة النسوان
أيليق بهذه المصونة الجليلة والحرة النبيلة أن تجالس الشعراء وينشدونها الأشعار كما روى ذلك أبو الفرج المرواني في الأغاني وروايته عن آل الزبير وعداوة آل الزبير لآل النبي مشهورة مذكورة.
سكينة بنت الحسين التي نشأت في حضن الرسالة ودرجت في حجر الإمامة بنت الحسين سيد أهل الإباء، وعاشت بجنب عمتها وسيدتها العظيمة الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين (ع) وبجوار أخيها السجاد زين العابدين، تحوطها هالة من أنوار الميامين الأبرار ومن سادات بني هاشم الكرام، إن من يتربى ويترعرع في مدرسة الرسالة المحمدية ويتفقه بفقه القرآن ويتأدب بالأدب العلوي العالي ويتهذب بالتربية الحسينية الرفيعة مثل السيدة سكينة لا يمكن أن ترضى لنفسها أو تسمح لصواحبها وأترابها من نسوة المدينة من أهل الشرف بالاجتماع مع الرجال اأاجانب مهما كانوا وهي من بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.
أيصح أن تقوم خيرة النساء في عصرها - كما يقول سيد الشهداء - وهي ترى أخاها السجاد عليه السلام يغمى عليه بين حين وآخر ويعقد المجالس للنياحة على أبيه الشهيد والثواكل من نساء بني هاشم يندبن قتلاهن ثم تعقد هي مجلس السمر مع الشعراء.
كتب العلامة السيد عبد الرزاق المقرم ودافع عن كرامة بنت الحسين وأعقبه المحقق الأستاذ توفيق الفكيكي فأجاد وأفاد واستهل كتابه بهذا البيت - وهو للسيد الشريف الرضي:
وقد نقلوا عني الذي لم أفُهْ به
وما آفة الأخبار إلا رواتها
وجاء بقصيدة عمر بن أبي ربيعة التي قالها سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف وأولها:
قالت سكينةُ والدموع ذوارف
تجري على الخدين والجلباب
وذكر عدة مصادر منها ما حققه المحقق العلامة الشنقيطي في شرح أمالي الزجاج كما أوردها صاحب الأغاني أيضاً: قالت سعيدة والدموع ذوارف، واستدل بمصادر عديدة منها الحصري في (زهر الآداب) كما أنها في ديوان عمر بن أبي ربيعة هكذا: قالت سعيدة والدموع ذوارف.
وإن لعمر بن أبي ربيعة شعراً كثيراً في (سعدى) يورده صاحب الأغاني، ثم روى أيضاً عن حماد بن إسحاق الموصلي ومعجم الأدباء وشارح ديوان عمر بن أبي ربيعة وكلها تؤيد ما يقول وتصرح بأن هذا الشعر ليس في سكينة، وأن هذه الرواية المدسوسة التي يرويها القالي عن أستاذه الزجاج وهذا عن شيخه المبرد رواها عن القصاصين والمغنين الذين عاشوا على موائد البلاط الأموي.
قال: وهناك أهم من هذا كله - وهو العنصر السياسي فإنه كان العامل المهم في هذا التغيير خاصة إذا ما علمنا أن الشيخ القالي أموي الفكرة وأن جده سلمان كان مولى إلى عبد الملك بن مروان، وقد عاش بقية حياته في كنف الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم في الأندلس، وكان من مقتضى السياسة الأموية في الشرق والغرب ومن مصلحتها أن تذيع هذه القصيدة وأمثالها على لسان المغنين والمغنيات والقصاصين باسم (سكينة) بنت الحسين، ومما يؤيد ذلك استنكار الرشيد وغضبه على إسحاق الموصلي عندما غنى بين يديه بما حفظه عن المغنين: قالت سكينة والدموع ذوارف، وقوله: ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك..
ويأتي سؤال هل تزوجت سكينة بن الحسين؟ وبمن تزوجت؟ نقول إن علماء النسب والتاريخ يذكرون أن سكينة تزوجت بعبد الله الأكبر ابن الإمام الحسن السبط وهو أخو القاسم، وأمهما رملة. استشهد يوم الطف قبل القاسم، ومن هؤلاء الأعلام النسابة أبو الحسن العمري في القرن السادس في كتابه (المجدي) وأبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان في أعلام الورى ص 127 عند ذكر أولاد الحسن، والشيخ محمد الصبان في إسعاف الراغبين على هامش نور الأبصار ص 202، وروى الشيخ عباس القمي في سفينة البحار عن أعلام الورى في ذكر أولاد الحسين بن علي (ع): وكان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبنى بها.
بعض ما جاء في فضلها
روى ابن الفرج أن سكينة بنت الحسين (ع) كانت في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان: أنا بنت الشهيد، فسكتت سكينة فقال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله. قالت سكينة هذا أبي أو أبوك، فقالت العثمانية: لا أفخر عليكم أبداً.
وروى سبط ابن الجوزي عن سفيان الثوري قال: أراد علي بن الحسين الخروج إلى الحج أو العمرة فاتخذت له أخته سكينة بنت الحسين سفرة طعام أنفقت عليها ألف درهم وأرسلت بها إليه، فلما كان بظهر الحرّة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين.
وفي تاريخ ابن خلكان: أن سكينة سيدة نساء عصرها.
وقال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون في كتابه (الأئمة الإثنا عشر) قدمت سكينة دمشق مع أهلها ثم خرجت إلى المدينة. وكانت من سادات النساء وأهل الجود والفضل رضي الله عنها وعن ابيها