هَجْرُ المَشاعِر
إذا كنْت تعيش مع أسرتك الأوليّة وتلتقي بأسرتك المُمتدّة لأكثر من مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًّا فاعلم أنّك تشعر بصحّة نفسيّة جيدة، فهناك من يفْتقد هذه الوقفات الجميلة والتّجمّعات السعيدة. لذلك جاء في الأخبار العربيّة قولهم: لا يغرّد الطائر إلّا في سربه. وجاء أيضًا: يدُك منكَ وإنْ كانت شلّاء.
وكم هي المرات العديدة الذي تكرّر منظر تلك الفتاة التي تفلت من يديّ أمها وتسابق الريح سرعةً فتتعثّر وتقع على الأرض وتنجرح ركبتها وتبكي بكاءً شديدًا ثمّ تهرول أمها نحوها وتحنق عليها بشدة وهي تقول: (تستاهلي، تستاهلي) بينما في قلبها تيارات جارفة من الحبّ والخوف على ابنتها.
الأسرة هي السياج القويّ الذي ينسلخ من خلاله جلدك الضعيف ويتبدّل إلى قوة وصلابة، وليست المسألة من البساطة أن تبني أسرة قوية البناء ذات أعمدة بشريّة تقاوم الانجرافات المجتمعيّة الفاسدة فتقف صلبة، صامدةً إلى أن يكبر أبناؤها.
أسرتي في قلبي، وعندما أكتبُ أيّ كلمة جميلة فهم أعمدة حروفها. هم في صلاتي ودعائي، لا يخلو مقال أو قصّة كتبتُها من أنفاس أفراد أسرتي، من لمساتهم الحانية، ودعمهم الكبير.
الأسرة نعمة كبرى في حياتنا، وأطياف جميلة تجتمعُ فيتمخّض عنها صورة حقيقية ألوانها تجلب السعادة، تستنشق من خلالها أريج الاستقرار، وتمشي بعينين مغمضتين وأنت مطمئن.
وإن كنّا في زمن يُهمش دور الأسرة كثيرًا، بل ويسخر من جميع نظريات التربيّة فيُعطي الصديق دور المارد العجيب في حلّ المشكلات، ويجعله السراج المنير في دياجير الحياة.
بل لا يتخيّل البعض كيف تبدو حياته بلا أسرة عندما يخذله الأصدقاء والأحباب، وتختفي نشوة حبّ الصّديق من أجوائه.
من الصّور المؤلمة أن أصف ما يقوم به البعض قد لفظت ذاكرته أنفاسها الأخيرة؛ فبالكاد يذكر صوت والدته عندما كانت تعلّمه كيف ينطق الحروف، وربما نسي مشهد والده وقد ادّخر من راتبه الشّهري ليوفر له لعبته الإلكترونية