أعمال راشد دياب
جسد بألوانه تراث وطنه، عبر عن همومه وأحداثه، كانت المرأة البطل الرئيسي لأعماله، فقدمها بالزي السوداني التقليدي المميز بألوانه القوية، جسد حركتها ورشاقتها سواء بمفردها أو في مجموعة.. إنه الفنان السوداني راشد دياب، الذي أراد حفظ تراث بلاده ودعمها وتقوية فنونها التشكيلية.
في أعماله تظهر المرأة، عناصر البيئة والتراث الشعبي السوداني، بلمسات من الخط العربي أحيانا، وبألوان قوية دافئة، يرفض وصفها بالزاهية، لكنها تعكس تباينا قويا يضفي عمقا للوحة، فكانت الحياة والبيئة في بلاده مصدرا ثريا لإلهامه، ومنها اكتسب شغفه، بالألوان والتشكيل، في تجربة فنية تمتد لنحو 50 عاما.
الفنان راشد دياب
درس راشد دياب الفن، وتخرج في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالخرطوم، وسافر إلى مدريد وفيها اتخذ خطوات إضافية في مسيرته الأكاديمية حتى حصل على درجتي الماجيستير والدكتوراه وعمل أستاذا في جامعة مدريد المركزية، لكنه عاد إلى وطنه وفيه أسس مركزا للفنون، لتعليم الفن للكبار والصغار.
في أعماله، تتصدر مشاهد النزوح، وهو أمر يرجعه ليس إلى الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عام ونصف، بل إلى عقود مضت، ويوضح: “السودان في حالة نزوح منذ عام 1953، حين بدأ النزوح في البلاد في مناطق مختلفة، لكن الوقت الحالي زاد النزوح والتهجير والتغيير الديمغرافي بشكل مستمر، فنزح كل السودانيين تقريبا، أغلبهم توجه إلى مصر وآخرين إلى دول أخرى”.
ويضيف لـ”أيقونة”، أن النزوح مؤلم للغاية، فالإنسان يحمل ذكرياته ويترك داره ووطنه وعلاقاته، وتيج نحو المجهول، فيحاول التعبير عن ذلك بحركة الرحيل المتواصل، وفي كثير الأحيان دون أن تظهر وجوه الشخصيات في اللوحة، إلا أن الأبطال جميعهن من النساء، وهو ما يفسره بأن المرأة هي المسؤولة عن استمرارية الحياة من خلال حماية أسرتها وأطفالها فتنزح بهم لتحميهم.
ويصف المرأة السودانية بأنها الحياة، تجسدت في حياته عبر 3 مراحل، بداية من طفولته من خلال والدته التي لولاها ما كان ليصبح فنانا، فيقول: “دفاع أمي عن حقي في ممارسة الفن ووقفوها في وجه الضغوط من إخواني، منحني إحساسا بالقوة والتصميم والاستمرارية، لأنها كانت الحاضنة لي، لذلك فدور الأم في معرفة إمكانيات أولادها وأنهم ليس بالضرورة أن يكونوا جميعا في نفس المهنة كالطب أو الهندسة، وكذلك إدراكها لقيمة وأهمية الفن، هو أمر مهم للغاية لهم”.
المرحلة الثانية هي المرأة السودانية عامة، وحفاظها على الثوب السوداني الذي يعد لوحة فنية، فحافظت المرأة على الهوية البصرية، ما جعلها بالنسبة له بمثابة “معرضه المتنقل”، فكان يرى في تحركات المرأة السودانية بهذا الزي كأنها متحف أو معرض متنقل وفي كل مرة تشكل لوحة معينة، مع تقاسيم القوام والانحناءات، فتبدو في غاية الخفة والرشاقة والجمال.
فيما تأتي الحروب الأهلية لتمثل المرحلة الثالثة للمرأة في رؤيته، فدورهن في الحفاظ على الأسرة وتربية أطفالها وتحولها من القرى النائية إلى المدن والعمل لإعاشة الأطفال، فغياب الرجل بسبب الحرب يجعل المرأة وحيدة في مواجهة كل هذه الضغوط وتصبح المسؤولة عن الأطفال والأسرة من بعده، فيقول: “المرأة بالنسبة لي هي جزء ومكون أساسي لبنية المجتمع فانهيارها يعني انهيار كل شيء، ولولاها لما استمر الوجود الخاص، بشأن أسرتها وتربية أطفالها، ولما استمر الوجود العام وهو صيرورة واستمرارية حياة المجتمع”.
علاقته بالألوان
يصف علاقته بالألوان بأنها سرية للغاية، فيوضح أنه منذ صغره ربطته صداقة ومودة مع الألوان، فيقول: “الألوان إذا لم تعطي الفنان صداقتها لا تمنحه سرها، وهذا السر هو ما يمنحني السبب لوجودي، وبدونها لا يوجد معنى”، مضيفا أنه يستخدم ألوانه المعتادة ألوان من الطبيعة الإفريقية الحارة، كلها ألوان دافئة، منها الأحمر والأخضر، وهما من الألوان المألوفة لدى الصوفية في السودان.
ويقول: “اللون موجود في حياتنا بحكم الطبيعة، نستخدم الألوان كما هي، والتي تحقق التباين العالي، فأتعامل مع اللون ككائن حي”، كذلك تلهمه عناصر البيئة معانٍ عميقة، فيرى الصحراء امتدادا للروح الإنسانية، كذلك النيل يمثل العطاء والاستمرارية والقوة والاندفاع.
ويوضح أنه يتعامل مع كل مكون بحس جمالي، ومن تلك المكونات الخط العربي، فيقول: “منذ صغرنا نكتب بالخط العربي بقدرته على الانسياب، فهو جزء من ذاكرتنا، فتركيب اللوحة في ذهني يتشكل من عدة مكونات من بينها الخط والمساحة، فالأمر لا يكون لمجرد إقحام الخط العربي بدون هدف، لكن اللوحة جزء من جماليتها وتكوينها هو الخط العربي، لأنه جزء من التعبير الإنساني في اللغة”.
معارضه في مصر
نظم راشد دياب عدة معارض فنية، وعرض أعماله في مصر من قبل في معارض وبينالي القاهرة ومهرجان سمزيوم الأقصر، ويحضر الآن لمعرض فني جديد سيكون في مصر، فيوضح: “عندي علاقة قديمة مع مصر، وأحب تجربة العرض فيها، وهناك الكثير من الفنانين التشكيليين في مصر، فالاهتمام بالفنون قاعدة أساسية للعلاقة بين الشعبين المصري والسوداني”.
وستكون قضية الحرب هي الفكرة الرئيسية للمعرض، لتأكيد رسالة أن هذه الحرب نزوة وستنتهي وسيبقى الشعب السوداني وحضارته، مضيفا “أنا ابن بيئتي، فرغم معيشتي في إسبانيا لكن البيئة السودانية عالقة في ذهني، فأريد التعبير عن الثقافة والحضارة السودانية”.
المزيد من أعماله