عقيدتنا في النظر والمعرفة

نعتقد ان الله لما منحنا قوة التفكير ووهب لنا العقل، أمرنا ان نتفكر في خلقه وننظر بالتأمل في اثار صنعه ونتدبر في حكمته واتقان تدبيره في آياته في الافاق وفي آنفسنا، قال تعالى ‏﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ……﴾ ٥٣، فصلت
وقد ذم المقلدين لأبائهم بقوله تعالى ‏﴿…… قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون﴾ ١٧٠، البقرة
كما ذم من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب، فقال ‏﴿ … إن يتبعون إلا الظن … ﴾ ١١٦، الانعام

• وفي الحقيقة أن الذي نعتقده أن عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي معجزته، ولا يصح عندها تقليد الغير في ذلك مهما تكن لذلك الغير منزلة وخطرا، وما جاء في القران الكريم من الحث على التفكر واتباع العلم والمعرفة فإنما جاء مقررا لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء وجاء منبها للنفوس على ما جبلت عليها من الاستعداد للمعرفة والتفكر، ومفتحا للاذهان وموجها لها على ما تقتضيه طبيعة العقول.

• فلا يصح - والحال هذه - أن يهمل الانسان نفسه في الامور الاعتقادية أو يتكل على تقليد المربين أو اي شخص اخر، بل يجب عليه بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية أن يفحص ويتأمل وينظر ويتدبر في أصول اعتقاداته المسماة بأصول الدين التي هي (التوحيد، النبوة، الامامة، المعاد، العدل) ومن قلد اباءه او نحوهم في اعتقاد هذه الاصول فقد ارتكب شططا وزاغ عن الصراط المستقيم ولا يكون معذورا ابدا

• بالاختصار عندنا ادعاءان:
1. وجوب النظر والمعرفة في اصول العقائد ولا يجوز تقليد الغير فيها
2. ان هذا الوجود عقلي قبل ان يكون وجوبا شرعيا، اي لا يستقي علمه من النصوص الدينية وان كان يصح ان يكوت مؤيدا بها بعد دلالة العقل

• وليس معنى الوجوب العقلي الا ادراك العقل لضرورة المعرفة ولزم التفكر والاجتهاد في اصول الاعتقادات

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
نص كتاب عقائد الامامية



توضيح المصطلحات

• معنى العقيدة؟
: مجموعة افكار وقيم يرتبط بها القلب ارتباط وثيق على مستوى التصديق او التدين، اذ ان العقيدة مأخوذة من العقد او الشد بين المبدأ والقلب، فعندما تقول (انا اعتقد بذلك) كأنك شددت القلب نحو ذلك المبدأ، وقد صرحت الروايات ان الايمان ليس فقط ما يلفظه اللسان انما الايمان ما يعتقد به القلب، قال مولانا امير المؤمنين عليه السلام (الإيمان ما استقرّ في القلب وأفضى به إلى الله عزّ وجلّ ، وصدّقه العمل بالطاعة لله ، والتسليم لأمره)

• معنى النظر؟
: تارة يكون بالعين المجردة وهذا ليس المقصود هنا
: وتارة هو البحث الصادر من النفس البشرية لتحصيل المجهولات من خلال المعلومات، فعندما تقول (نظرت في الامر) اي تفكرت، اي دققت، اي اجتهدت

معنى المعرفة؟
: ادراك الاشياء وتصورها على مستوى التصور او التصديق، اي ان تدرك الاشياء والموجودات (ليس مجرد البحث)، وتأتي المعرفة نتيجة النظر (البحث)، فبعد البحث تصل الى المعرفة (عندما تدرك الاشياء تكون لديك معرفة)

• توضيح …… النظر يعني التفكر (انا افكر من خلقني؟)، بدأت بالبحث والتفكر وتوصلت الى (ان الله خلقني) المعرفة، المعرفة تاتي بعد النظر، لكن لا يأتي النظر بعد المعرفة، كما ان المعرفة ملازمة الى النظر دائما، لكن النظر لا يلازم المعرفة دائما …… وبعد كل هذا تحصل عندي عقيدة

• معنى الضرورة العقلية؟ واجب عقلا
: هي الضرورة التي يحكم بها العقل بغض النظر عن وجود شريعة من السماء، فأنا عندما اعطش اذهب لشرب الماء، لا انتظر اية من السماء تأمرني بشرب الماء، ولنفترض (وفرض المحال ليس بمحال) لو لم تكن هناك شريعة من السماء، ولم يكن هناك انبياء، ولم يكن هناك كتب وايات وبينات، لو خلي العقل لوحده من دون اي ارشادات خارجية من الشريعة، هل ان العقل يحكم بضرورة البحث عن خالق الكون او لا؟ فأذا حكمنا انه يحكم علينا بالبحث، اذن عقيدتنا في النظر والمعرفة تكون واجبة عقلا

• معنى الضرورة الشرعية؟ واجب شرعا
: هي الضرورة التي يحكم بها الشارع المقدس (الله) الذي له حق الطاعة، بغض النظر عن قبول العقل او عدم قبوله، فأنا عندما بحثت عن الخالق توصلت الى ان هناك خالق موجود وهناك جنة ونار، وهذا الخالق يأمرني ان اصلي، واصوم، وادفع الزكاة …… فلا يجوز للعقل هنا ان يتدخل ويقول اريد ان اقتنع ان ما يأمر به هذا الخالق صحيح بالدليل العقلي!! نقول له ان الدليل العقلي ليس في هذا الموضوع انما في موضوع سابق وهو وجود او عدم وجود هذا الخالق، فاذا ثبت وجوده عليك بالامتثال لأوامره من غير اعتراض

• ملاحظة …… ان الاحكام الشرعية ما لم تصل للمكلف، لا تعتبر واجبة عليه!! وفقط ان تصل اليه تكون واجبة، قال تعالى ‏﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾

• اتفاق العقل والشرع
: اذا العقل حكم بشيء فيأتي الشارع المقدس يحكم بنفس حكم العقل، عندئذ يكون العقل هنا (تأسسي) والشرع يكون (ارشادي) يعني يرشد الى حكم العقل، لانه ربما يلتوي الانسان ويغض نظره (يتهرب) عن حكم العقل فيأتي الشرع ليؤكد ذلك الحكم العقلي

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
نص كتاب دروس منهجية في شرح عقائد الامامية


س١- هل ان البحث عن الخالق وصفاته وافعاله، واجب بالوجوب العقلي او الشرعي؟ مع الدليل؟: واجب بالوجوب العقلي، اذ ان العقل يدرك ضرورة البحث والنظر والمعرفة عن الخالق حتى لو لم تكن هناك شريعة
من خلقنا؟ من اين اتينا؟ والى اين نذهب؟
هذه الاسئلة تولد مع الانسان فالعقل يحكم بضرورة ايجاد اسئلة لها، وهناك ايات وروايات ترشدنا بهذا البحث

• الدليل
: ذكرت الكتب عدة ادلة، وبأعتبار اننا لسنا في صدد الاجتهاد انما لحصول اليقين والقطع والجزم في العقائد وان نكون (متعلم على سبيل النجاة) سأذكر دليلان عقليان:

: الدليل الاول (دفع الضرر المحتمل)
لو اعطيتك اناء يحتوي ماء وقلت لك ان هذا الماء احتمال بنسبة 5% يحتوي سم قاتل، هل تشرب من هذا الاناء او لا؟ ستقول بالتأكيد لا، لان وان كانت النسبة ضئلية الا انني لا اعرض نفسي للموت،

لذلك دفع الضرر المحتمل واجب عقلا، ان العقل يدرك انه لو لم يبحث عن خالق الكون، فانه يحتمل وجود ضرر يأتيني من عدم المعرفة، احتمال ان هذا الخالق يريد مني افعالا لا اعرفها لحد الان، فاذا لم أتي بها فسأقع بمخالفته، وهذا يترتب عليه ضرر، وقد اخبرنا بهذا الضرر الكثير من الانبياء الصادقين الذين لم تشهد لهم كذبة (وإنما توفون اجوركم يوم القيامة) (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) والكثير من ما اخبرت به الايات ان هناك ضرر محتمل بنا، لذلك واجب علينا ان ندفع هذا الضرر المحتمل وذلك بالبحث عن هذا الخالق وما يريده منا

نسبة 100% انك ستموت، وان جميع الانبياء والرسل والكتب السماوية اخبرونا عن حياة بعد الموت وعن مصير نهائي اي هناك ضرر محتمل بنسبة كبيرة جدا، أليس من العقل ان تدفع هذا الضرر المحتمل؟

: الدليل الثاني (شكر المنعم)
لو شخص قدم لك خدمة مثلا انجز لك البحث الجامعي، واخذت منه البحث ولم تشكره!! هل ما قمت به صحيح؟ بالتأكيد لا، لان لابد ان تشكره على ما قدمه لك من مساعدة
فشكر المنعم واجب عقلا، لابد لك ان تشكر من انعم عليك بهذه الصحة والعافية وميزك عن باقي المخلوقات، حيث ترى الكلاب سائبة في الشوارع والقطط ضائعة وانت لديك عقل يرشدك، ومنزل يؤيك، وعائلة تحيط بك، وغذاء يشبعك، والكثير من النعم ما لا تعد ولا تحصى …… الواجب عليك ان تشكر من انعم عليك بهذا العطاء، لابد ان تبحث عن من تشكره ……

س٢- هل يجوز التقليد في اصول الدين؟

: لا يجوز، ويجب على كل مكلف ان يكون له دليله الخاص في اصول دينه، لان اصول الدين تتوقف عليه حياتك في الدنيا والاخرة، واحتمال الخطأ موجود في التقليد، فانا عندما اقلد بشرا اخر في مسئلة تتوقف عليه دخولي الى الجنة او النار، يحتمل ان يخطأ هذا البشر، والعقيدة لابد ان تكون ثابته بالدليل القطعي

• القضية ليست بيع وشراء، بل هيه قضية عبادة ومصير نهائي، فاذا قلدت شخص يعبد البقر سابقى اعبد البقر طيلة حياتي

• لذلك لا يجوز التقليد بل يجب ان نحصل على اليقين، اما من الاجتهاد او من قول الغير (كما ارشد ابراهيم عليه السلام قومه لعبادة الله) مثلا الذهاب للامام المعصوم او المجتهد او العالم، والمطلوب ليس الاجتهاد انما حصول اليقين والاطمئنان القلبي اتجاه اصول ديننا

• اصول الدين التي لا يجب التقليد فيها؟
1. التوحيد
2. النبوة
3. المعاد
4. الامامة (اصل خاص بمذهبنا)
5. العدل (اصل خاص بمذهبنا)

• لماذا اعتبرنا هذه الاصول فقط ولم نضيف لهن اصول اخرى؟ او كيف توصلنا الى هذه الاصول الواجبة؟
1. اجتماع جميع الاديان السماوية عليها، فالجميع يعبد الله ويتبعون النبي، ويؤمنون بالمعاد
2. هذه الاصول مرتبطة مع بعضها ارتباط وثيق لا تنفك
3. ان الاعتقاد بهذه الاصول هو جواب لكثير من اسألة الفروع الاخرى، فأنا عندما اؤمن بوجود الله سأومن بوجود جنة ونار، وأومن بوجود عذاب القبر وهكذا

• خلاصة البحث
ان المقصود من هذا البحث، هو لبيان للمذاهب الاخرى ما يعتقده الشيعة الامامية في خصوص النظر ومعرفة خالق الكون ومن يدعي النبوة والمعاد والامامة والعدل، حيث اننا وجميع الاديان السماوية والمذاهب الاخرى نتفق على اصول ثلاثة وهي (التوحيد، النبوة، المعاد) فكل الاديان يعبدون الله وحده لا شريك له، وكلهم يتبعون نبي من انبياء الله (عيسى، او موسى، او محمد) عليهم افضل الصلاة والسلام، وجميع الاديان السماوية تؤمن بالمعاد، اي الحياة الاخروية حيث الجزاء والعقاب، الا ان يختلفون فيما بينهم في التفاصيل

اراد الشيخ المظفر قدس سره يقول لهم، ان الشيعة الامامية تعتقد ان البحث عن خالق الكون، ومعرفة صدق من يدعي النبوة، هذا البحث يأتي من العقل لا من الشرع، وأن كانت هناك ايات تطلب من عندنا البحث ومعرفة خالق الكون فتكون هذه الايات مؤيدة لهذه الحرية الفطرية العقلية

• لان …… الاخرين يقولون ان الاعتقاد بالاصول الثلاثة هذا الاعتقاد وهذا البحث يأتي من الشرع لا من العقل، اي ان الشرع يأمرنا في البحث والمعرفة عن خالق الكون وصفاته وافعاله، نقول لهم: كيف؟ الشارع المقدس وهو الله ان يأمرني وانا لا زلت في بداية الامر لم اؤمن به؟ …… علينا اولا ان نستخدم عقولنا ونصل الى الله ونؤمن به ……… ثم نطيع اوامره ونأخذ بآياته، وقد ذكرت دليلان على ذلك كما انه توجد ادلة كثيرة اخرى

ثم بين الشيخ لنا، انه لا يجوز التقليد هنا بل يجب علينا اما الاجتهاد او حصول اليقين من قول الغير، وفصلت في هذا الموضوع ما مطلوب توضيحه

فقرة الاسئلة؟

س١- ما عقيدتك في النظر والمعرفة؟
س٢- هل ان البحث عن خالق الكون وفي صدق من يدعي النبوة، هو واجب عقلا او شرعا؟ وما الدليل؟
س٣- هل يصح التقليد في اصول الدين؟
س٤- ما هي اصول الدين؟
س٥- ما معنى الضرورة العقلية؟