من لوحات الفنان اللبناني أندريه كالفايان
يضع حكاية لكل إنسان بالرسم، يروي قصص وحكايات عتيقة تحمل في طياتها حنينه للماضي ونظرته للمستقبل. بدأ الرسم منذ طفولته بقلم الرصاص على الورق، وكان كلما تقدم خطوة؛ تعرف إلى تقنية جديدة، فرسم بالفحم، ثم الغواش، فالمائيات، والأكريليك، وعندما بلغ الـ16 من عمره، نمت عنده تجربة الزيت على قماش الكانفاس وتعلقه بها، والتزم بها أسلوباً دائماً في لوحاته الكثيرة التي بلغت أكثر من 7 آلاف لوحة.
تركت بيئته التاريخية "من مدينة جبيل التراثية" في لبنان أثرها فيه، وبما إنه عاش في محيط هذه المدينة التاريخية الأثرية؛ اهتم برسم مينائها، وقلعتها، ومختلف رموزها، كما ركز على البيت اللبناني من التراث القديم، ورسم رجالاً ونساء من المجتمع المحيط، وأحب رسم وجوه المسنين مع تجاعيدهم الجميلة التي تزينها عفوية ضحكاتهم.
إنه الرسام اللبناني أندريه كالفايان الذي يشرح في حديثه لـ"سيدتي" إلى أنه لم يدخل إلى معهد أو جامعة لتعلم الرسم، كانت موهبته هي المصدر الرئيسي لأعماله.
إعداد: عفت شهاب الدين
الرسام اللبناني أندريه كالفايان
الأبواب والشرفات القديمة
الشرفات القديمة من رسم الفنان أندريه كالفايان
بداية يعرّف أندريه كالفايان عن نفسه لـ"سيدتي" قائلاً: "اكتشفت موهبة الرسم عندما كنت طفلاً، ولم أتعلمه في أي جامعة أو معهد. اعتمدت التلوين الزيتي على القماش، وعدتي هي المسامير والدبابيس.
احترفت الرسم بعمر الـ17 عاماً، ومنذ ذلك الوقت رسمت موضوعات عديدة لا تُعد ولا تُحصى، ولكنني عُرفت برسم الأبواب والشبابيك أو الشرفات القديمة التي مر عليها الزمن، ولي نحو 7 آلاف لوحة منتشرة في جميع أنحاء العالم".
ينكبُّ أندريه على رسم كل ما هو قديم وأثري من البيوت الأثرية والسيارات القديمة على سبيل المثال، فيضع حكاية لكل إنسان من خلال رسمه الخشب العتيق، والطلاء المقشر والحديد الصدئ والزجاج المتآكل بالغبار، والعشب المهمل على الحيطان المتروكة والشرفات، قصص وحكايات عتيقة تنتظر من يرويها من خلال الرسم وإلقاء الضوء عليها، يتذوقها الجمهور بمختلف شرائحه وميوله ببهجة وتقدير وفرح لا يُوصف.
من أعمال الرسام أندريه كالفايان
يضيف قائلاً:
"شاركت في عدد كبير من المعارض الجماعية والفردية في لبنان والخارج، وحصدت عدة شهادات تقدير، كما أعطى الإعلام اللبناني والأجنبي اهتماماً كبيراً لي وللوحاتي، أما معرضي الدائم فهو في مدينتي جبيل... أنا فنان محترف لي حضوري بشكل مميز جداً في لبنان وفي الخارج، وأرسم منذ أكثر من 35 عاماً، معروف بموضوعات تؤثر جداً بكل مغترب؛ لأنها متعلقة بالذكريات، وتحكي عنها وتصفها بشكل حساس ودقيق بعد مرور الزمن والوقت والدهر عليها؛ فتحمل في طياتها حنيني للماضي وعبق المستقبل".
لوحة تحمل في طياتها حنين الماضي
بداية الدهشة والبهجة
هاجسي هو هدفي بالتميُّز
حول بداية هذا المشوار الممتع في الرسم، يقول أندريه "بدأت مشواري الفني عندما كنت طفلاً، أعبر عن نفسي من خلال الرسم على الورق، وكانت مجرد هواية، وكنت كلما أنتهي من رسم لوحة معينة؛ ألاحظ نظرات الدهشة والبهجة على وجوه الأهل والأقارب والجيران، وهذا الأمر كان يخلق عندي حافزاً قوياً للاستمرار. كنت طفلاً صغيراً لديه موهبة بالفطرة وتكوَّن عندي نوع من الحماس والحافز حتى أرسم يومياً لأرى الدهشة على وجوه الناس.
مرت الأيام، ومرحلة بعد مرحلة بلغت عمر المراهقة وبدأت بإنتاج أعمال جميلة، وتلقيت العديد من الدعوات للمشاركة في نشاطات فنية مختلفة، ومن هنا بدأت الأنظار تتجه نحوي، ووُلدت عندي ثقة الرسام الفنان، وبدأ المشوار فعلياً، أو بمعنى أصح بدأت رحلتي بوصفي رساماً موهوباً ومميزاً جداً.
طوَّرت نفسي كمرحلة أولى من العمر، ومن ثَم بدأ المشوار وحكاية الرسم على القلم، ومن بعدها الأكواريل والغواش، ومن ثَم الباستيل والأكريليك، والزيت الذي أعتمده في يومنا هذا".
وحول هاجسه الأساسي يشير أندريه " إلى أن التميُّز بات هاجسي باعتباري فناناً، وبات عندي هوية شخصية من خلال الموضوعات والتقنيات، وعملت على أفكار عديدة تتعلق بمدينتي جبيل الأُثرية لأنني أنتمي إليها، ومن ثَم بدأت أرسم عدداً من نساء ورجال المجتمع، بالإضافة إلى السيارات القديمة وسيارات الأجرة أو التاكسي، ولا أخفي سراً إذا قلت بأن مدينتي كان لها الحصة الأكبر من رسوماتي أو لوحاتي، خصوصاً بيوتها التراثية وميناءها، مع رسم الأبواب والنوافذ بتقنية خاصة بي؛ لأنني أعتمد أسلوباً خاصاً بالرسم كالتلوين الزيتي على الكانفاس، وهذه كانت النقلة النوعية التي قمت بها في حياتي".
وعن الأدوات التي يستخدمها في الرسم يشرح أندريه "لا أرسم بواسطة الريشة، بل أستخدم المسامير والدبابيس، وهذه الأدوات هي من ابتكاري الخاص إلى جانب اعتمادي قواعد علمية في مجال الرسم".
لوحة معبرة عن البيوت التراثية المميَّزة
من المفيد التعرف إلى: أسرار وغرائب عن مدينة فينيسيا التاريخية.
الصفاء والهدوء والإبداع
الصفاء والهدوء في لوحات أندريه كالفايان
لا شك أن كل فنان يتأثر بشخص معين أو بحالة معينة، ولكن أندريه لم يتأثر بأحد، بل على العكس أثَّر في عدد كبير من الجمهور الذوَّاق للفن، وتحديداً لفنه هو شخصياً.
في هذا المجال يستطرد قائلاً: "بصراحة لم أتأثر بأحد معين، ولكنني تأثرت بالأعمال التي ترتبط بالدقة؛ لأنني أعتمد تقنية الدقة بالرسم؛ أي الـ Realistic Art، كما تأثرت بفنانين نادرين مروا عبر التاريخ، ولن تشهد الأيام على أمثالهم؛ لذلك عندما زرت عدداً من المتاحف في العالم لاحظت أن العمل القديم يتميَّز بصفاء وهدوء بعيدين كلياً عن زحمة الناس والسيارات والشوارع، هذا الصفاء بالنسبة إليَّ ينتج إبداعاً".
البيوت الأثرية من أهم مواضيع أندريه كالفايان
حول موهبته المميزة يشير أندريه في حديثه: "لم أدخل معهداً أو جامعة للتخصص؛ لأن موهبتي أعطتني ما يكفي لأكون رساماً محترفاً. الإبداع يكون في الداخل، وهو يظهر من خلال عمل فني معين، مع العلم أن الأوجاع قد تساهم في نشر الإبداع، وقد تسبب الثورات للإنسان والمجتمع. وهنا يجب أن أقول إنه في حياتي محطات فرحة جداً ومميزة، وقد حصدت جوائز تقديرية لا تُعد ولا تُحصى، منها شهادة جائزة بياف للمبدعين عام 2018 لأنني تميزت بالأفكار وبالتقنية وبالاستمرارية في الرسم لمدة متواصلة 25 عاماً من دون توقف بسبب الصبر والعطاء باعتباري أفضل فنان لبناني، ونظراً إلى اتساع مشاركاتي وطابع عملي القريب من مشاعر الناس، خصص لي "معهد القلبين الأقدسين" في العاصمة بيروت صالة عرض باسمي، وكرَّمتني جامعة هايكازيان البيروتية بمناسبة يوبيلها الخمسين. كما أن أعمالي منتشرة في أنحاء كثيرة من العالم، خصوصاً تلك التي اصطحبها المغتربون معهم بوصفها تذكاراً للتراث الذي يفتقدونه في بلاد الاغتراب، وتُعَلَّق أعمالي في مختلف السفارات العربية واللبنانية، وفي عدد من المتاحف في أنحاء مختلفة من العالم".
لوحاته منتشرة في جميع أنحاء العالم
الرسم علاج نفسي
الرسم هو أجمل إحساس
بعيداً عن الرسم يشير أندريه إلى أنه يحب الرياضة كثيراً، وهو لاعب محترف في لعبة كرة الطائرة على مستوى لبنان، بالإضافة إلى ممارسته السباحة والشطرنج، وهو يعيش حياة سعيدة جداً مع زوجته وأبنائه الـ3، خاتماً حديثه قائلاً: "الرسم هو أجمل إحساس وأحلى متعة وأحلى علاج نفسي، وأنصح كل شخص أن يجرب الرسم؛ لأن الألوان تعطي سعادة لقلب الإنسان، وعندما يرسم الفنان يشعر أنه حقق ذاته لتطوير موهبته، عالم الفن والألوان جميل جداً وهو حياتي كلها