برموزها وتركيباتها الفنية الغامضة والفانتازية، تميزت السريالية عبر العقود بصورها الشبيهة بالحلم وفي الوقت نفسه بجاذبية خاصة، فرغم أنها بدأت كحركة أدبية، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة فنية توسعت في العالم وبات لها رموزها من الفنانين.
تحتفل السريالية هذا العام بالذكرى المئوية لنشأتها، ولا يزال تأثيرها يتردد صداه لدى الفنانين في جميع أنحاء العالم، فترجع أصولها إلى الصدمة الجماعية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى ووباء الأنفلونزا العالمي في عام 1918، واقتناعا منه بأن العالم الذكوري العقلاني هو المسؤول عن مثل هذه الفظائع، سعى مؤسسها ، الكاتب الفرنسي أندريه بريتون، إلى إيجاد بديل غير عقلاني متجذر في عالم اللاوعي وحالات الحلم.
نشأة السيريالية
وفي “البيان السريالي” الأول، وهو كتيب توضيحي نُشر في باريس في أكتوبر 1924، دعا بريتون إلى ثورة في التفكير يمليها غياب كل سيطرة يمارسها العقل، وهو ما كان بمثابة دعوة للحرية ورفضًا للوضع الراهن، كحركة تمرد ضد المؤسسات والدين والجيش وجميع القوى التي حاولت سجن العقل.
وبدأت السريالية كحركة أدبية، سرعان ما تحولت إلى حركة فنية، وكانت الصور الشبيهة بالحلم والألعاب المرئية من سماتها المتكررة، وكذلك الإحساس السياسي الأساسي والرغبة في جعل المشاهد يتساءل عن العالم من حوله.
وتأت لوحة “البناء اللين بالفاصوليا المسلوقة(هاجس الحرب الأهلية)” التي رسمها ، الفنان الإسباني سلفادور دالي عام 1936، أشهر تلك الأعمال، فهو يصور شخصية عملاقة هذيانية ومشوهة بشكل غريب وهي تمزق نفسها بابتهاج في إشارة إلى التدمير الذاتي المأساوي الذي جلبته الحرب الأهلية الإسبانية.
كما تأتي لوحة “خيانة الصور” لرينيه ماغريت عام 1929، كأكثر الصور حيرة في التاريخ الفني، فهي تأتي بمقاربة دماغية أكثر برودة، فتجمع بين صورة الأنبوب وعبارة “Ceci N’est Pas Un Pipe” (والتي تُترجم على أنها “هذا ليس أنبوبًا”)، لتجعل المرء يتساءل عما يراه ويقال له.
وفي مصر، يأتي الفنان رمسيس يونان، الذي أسس مجموعة الفن والحرية، وهي مجموعة سريالية ضمت العديد من الفنانين والكتاب والناشطين، ويوصف بأنه مؤسس السيريالية في مصر، والفنان سمير رافع، أحد أبرز رواد السريالية في الأربعينيات من القرن الماضي والذي لعب دورا في تأسيس حركة الفن المصري المعاصر، والملقب بـ«مؤسس السريالية الشعبية»، حيث انشغل بقضايا عديدة كالاغتراب والاحتلال وعلاقة الرجل والمرأة.
100 عام من السريالية
واشتعلت الحركة عندما اجتازت الحدود الجغرافية والعقود، حيث قام فنانون من مختلف البلدان والعصور بتكييف مُثُلها مع أساليبهم واهتماماتهم الخاصة.
وتزامنا مع الاحتفال بالمئوية الأولى لنشأة السريالية، أقيم معرض “100 عام من السريالية” في المتاحف الملكية للفنون الجميلة في بلجيكا، ومن المقرر أن ينتقل إلى عدة أماكن أخرى منها هامبرغر كونستال في ألمانيا، ومؤسسة مابفري بمدريد، وأخيرًا متحف فيلادلفيا للفنون، ليعرض مجموعات جديدة ويركز على كيفية تطور الحركة في مناطق مختلفة.
في حين أن السريالية كانت معروفة بكراهية النساء، كان بريتون والمجموعة يعتقدون أن النساء داخل الحركة مجرد “ملهمات”، إلا أن كن يصنعن ويعرضن الفن جنبًا إلى جنب مع أقرانهن الذكور منذ البداية، لكن تم التغاضي عن عملهن لسنوات عديدة، وتعيد معارض بروكسل أعمال الفنانين البلجيكيين جين جرافيرول وراشيل بايس وغيرهن.
وكانت الرسامة والكاتبة البريطانية ليونورا كارينغتون، التي سعت إلى الحرية في حياتها وعملها، مؤثرة في جيل جديد من الفنانين، حيث انتقلت إلى المكسيك في الأربعينيات من القرن العشرين، وتعاونت مع ريميديوس فارو والمصور الصحفي المجري المكسيكي كاتي هورنا، لتطوير نسخة أنثوية فريدة من السريالية التي تشير إلى المجتمعات الأمومية والتصوف. وألهم عملها، الذي ركز أيضًا على القضايا البيئية والخنثوية، موضوع بينالي البندقية لعام 2022 الذي ضمت تشكيلته النسائية تقريبًا العديد من المتأثرين بممارساتها.
وفي كتابه “السريالية الجديدة: الغريب في الرسم المعاصر”، يستكشف الفنان والكاتب روبرت زيلر لماذا وكيف يتفاعل الفنانون المعاصرون مع الأفكار والصور السريالية، حيث يعتقد أن جاذبية السريالية لدى فناني اليوم ترجع إلى الحرية التي تمنحها لهم للتعبير عن أنفسهم بطريقة في متناول الجميع أي لغة الأحلام.
وقال زيلر: “باستخدام لغة بصرية مخصصة عادةً للأحلام، يمكن للفنانين أن يكونوا غير مباشرين، وأكثر بلاهة في التواصل من خلال استخدام السخافة وغير التسلسلية والمعاني الخفية، حيث ينحرط الفنانون في الاستعارات السريالية الكلاسيكية مثل تقديم المألوف على أنه غير مألوف وغريب، وتجاور الصور التي تبدو غير ذات صلة واستخدام العبث لانتقاد القضايا السياسية أو الاجتماعية ولكن بطرق جديدة تتحدث إلى جيل الشباب”.